الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
وأمثلته كثيرة .

[ ص: 368 ] ( نحو عطاء وهو ) بضم الهاء ( ابن السائب ) الثقفي الكوفي في أحد التابعين ، فقد صرح جماعة من الأئمة باختلاطه ; كابن معين ، ووصفه بعضهم بالاختلاط الشديد ، لكن قال ابن حبان : إنه اختلط بأخرة ، ولم يفحش حتى يستحق أن يعدل به عن مسلك العدول . انتهى .

وممن سمع منه قبل الاختلاط فقط أيوب وحماد بن زيد وزائدة وزهير وابن عيينة والثوري وشعبة ووهيب ، كما صرح به في الأول والأخير الدارقطني ، وفي الثاني ابن المديني ويحيى بن سعيد القطان والنسائي والعقيلي ، وفي الثالث والرابع الطبراني ، وفي الخامس الحميدي ، وفي السادس والسابع أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي والطبراني ، وكذا يحيى القطان ، ولكنه استثنى حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة عن زاذان ، ومنهم حماد بن سلمة فيما قاله العقيلي والدارقطني وابن الجارود ، وقال بعضهم : بعده . فالظاهر أنه سمع منه في الوقتين معا ، وكذا سمع منه في الوقتين معا أبو عوانة فيما قاله ابن المديني وابن معين ، وزاد أنه لا يحتج بحديث أبي عوانة عنه ، وممن سمع منه بعده فقط إسماعيل بن علية وجرير بن عبد الحميد وخالد بن عبد الله الواسطي وابن جريج وعلي بن عاصم ومحمد بن فضيل بن غزوان وهشيم وسائر من سمع منه من البصريين في قدمته الثانية لها دون الأولى ، وقد خرج البخاري في تفسير سورة الكوثر من صحيحه من رواية هشيم عنه حديثا واحدا ، لكنه مقرونا بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية أحد الأثبات ، لم يخرج له في الأول شيئا .

( وكالجريري ) بضم الجيم وتشديد آخره ، مصغر ، أبي مسعود ( سعيد ) وهو ابن إياس البصري الثقة ; فإنه اختلط - كما قاله ابن حبان - قبل موته بثلاث سنين ، قال : [ ص: 369 ] ورآه يحيى القطان وهو مختلط ، ولكن لم يكن اختلاطه فاشيا ; ولذا قال ابن علية : لم يختلط إنما كبر فرق . وقال أبو حاتم : تغير حفظه قبل موته ، فمن كتب عنه قديما فهو صالح . وقال يحيى القطان فيما رواه ابن سعد عن كهمس عنه : أنكرناه أيام الطاعون ، وكذا قال النسائي : ثقة أنكر أيام الطاعون . انتهى .

وممن سمع منه قبل تغيره ، إسماعيل بن علية والحمادان والثوري وشعبة وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وسماعه منه قبل تغيره بثمان وستين ; ولذلك قال العجلي : إنه من أصحهم عنه حديثا . وعبد الوارث بن سعيد وعبد الوهاب الثقفي ومعمر ووهيب بن خالد ، ويزيد بن زريع ; لقول أبي عبيد الآجري عن أبي داود : كل من أدرك أيوب السختياني فسماعه من الجريري جيد ، وكل هؤلاء سمعوا من أيوب ، وبعد تغيره إسحاق الأزرق ، كما سيأتي قريبا ، وابن المبارك ومحمد بن أبي عدي ، وقال : لا نكذب الله ، سمعنا منه وهو مختلط ، ويحيى بن سعيد القطان ; ولذا لم يحدث عنه شيئا ، ويزيد بن هارون ، وقال - كما رواه ابن سعد عنه - : سمعت منه في سنة اثنتين وأربعين ومائة ، وهي أول سنة دخلت فيها البصرة ولم ننكر منه شيئا ، وكان قيل لنا : إنه قد اختلط ، وسمع منه إسحاق الأزرق بعدنا ، وحديثه عند الشيخين من حديث بشر بن المفضل ، وخالد بن عبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الوارث عنه ، وعند البخاري فقط من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري عنه ، وعند مسلم فقط من حديث ابن علية وبشر بن منصور وجعفر بن سليمان الضبعي وأبي أسامة حماد بن أسامة وحماد بن سلمة وسالم بن نوح والثوري وسليمان بن المغيرة وشعبة وابن المبارك وعبد الواحد بن زياد والثقفي وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف ووهيب وابن زريع ويزيد بن هارون عنه ، وفي هؤلاء جماعة ممن لم نر التنصيص على كون سماعهم منه قبله أو بعده .

[ ص: 370 ] ( و ) كـ ( أبي إسحاق ) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي التابعي أحد الأعلام الأثبات ; فإنه فيما قاله الخليلي : اختلط ، وكذا نقله الفسوي عن بعض أهل العلم ، وأشار إلى أن سماع ابن عيينة منه بعد اختلاطه ، ونحوه قول ابن معين : إن ابن عيينة سمع منه بعد ما تغير ، وأنكر الذهبي اختلاطه ، وقال : بل شاخ ونسي . يعني فإنه قارب المائة ، قال : وسمع منه ابن عيينة وقد تغير قليلا . وقال أحمد : ثقة ، ولكن هؤلاء حملوا عنه بأخرة ، وقد اتفق الشيخان على التخريج له ، لا من جهة متأخري أصحابه ; كابن عيينة ونحوه ، بل عن قدمائهم حفيديه ; إسرائيل بن يونس ويوسف بن إسحاق ، وزكريا وعمر ابني أبي زائدة ، وزهير بن معاوية والثوري ، وهو أثبت الناس فيه ، وأبي الأحوص سلام بن سليم وشريك وشعبة ، وأخرج له البخاري فقط من حديث جرير بن حازم عنه ، ومسلم فقط من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، ورقبة بن مصقلة ، والأعمش وسليمان بن معاذ وعمار بن رزيق ومالك بن مغول ومسعر عنه ، واختلف في وفاته ، فقيل : سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع وعشرين ومائة .

ومن التابعين أيضا سعيد بن أبي سعيد المقبري ، قال الواقدي : إنه اختلط قبل موته بأربع سنين ، ونحوه قول يعقوب بن شيبة : إنه تغير وكبر واختلط قبل موته يقال : بأربع سنين . وكان شعبة يقول : حدثنا سعيد بعدما كبر ، وسماك بن حرب بن أوس الكوفي تغير قبل موته ، فقال جرير بن عبد الحميد : أتيته ، فرأيته يبول قائما فرجعت ، ولم أسأله عن شيء ، وقلت : قد خرف .

[ ص: 371 ] ( ثم ) بعدهم جماعة ( كابن أبي عروبة ) بفتح العين وضم الراء المهملتين وبعد الواو موحدة ثم هاء تأنيث مكسورة مع اتزانه ، وما بعده بالإسكان أيضا مما هو أولى ; لعدم ارتكاب ضرورة الصرف فيه ، هو سعيد بن مهران العدوي البصري ويكنى أبا النضر ، أحد كبار الأئمة وثقاتهم ، فإنه ممن اختلط ، قال أبو الفتح الأزدي : اختلاطا قبيحا ، وطالت مدة اختلاطه ، واختلف في ابتدائها ، فقيل - كما لدحيم وابن حبان - : إنه كان في سنة خمس وأربعين ومائة . وقال ابن معين : بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب سنة اثنتين وأربعين ، وهو غير ملتئم ; إذ هزيمة إبراهيم كانت في سنة خمس وأربعين ، بل وقتل في أواخر ذي القعدة منها ، وحينئذ فهو أمر موافق للأول ، لكن حكى الذهلي عن عبد الوهاب الخفاف أن اختلاطه كان في سنة ثمان وأربعين . وقال يزيد بن زريع : أول ما أنكرناه يوم مات سليمان التيمي ، جئنا من جنازته فقال : من أين جئتم ؟ قلنا : من جنازة سليمان التيمي . فقال : ومن سليمان التيمي ؟ وكانت وفاة سليمان سنة ثلاث وأربعين ، ويتأيد بما حكاه ابن عدي في ( الكامل ) عن ابن معين أنه قال : من سمع منه سنة اثنتين وأربعين فهو صحيح السماع ، أو بعدها فليس بشيء . وقال ابن السكن : كان يزيد بن زريع يقول : إن اختلاطه كان في الطاعون . يعني سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان القطان ينكره ويقول : إنما اختلط قبل الهزيمة . ويجمع بينهما بما قاله البزار : إنه ابتدأ به الاختلاط سنة ثلاث وثلاثين ، ولم يستحكم ولم يطبق به ، واستمر على ذلك إلى أن استحكم به أخيرا ، وعامة الرواة عنه سمعوا منه قبل الاستحكام ، وإنما اعتبر الناس اختلاطه بما قاله القطان .

وممن سمع منه في حال الصحة خالد بن الحارث وروح بن عبادة ، وسرار بن مجشر ، وشعيب بن إسحاق وعبد الأعلى السامي وعبد الله بن المبارك وعبد الوهاب الثقفي وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف وعبدة بن سليمان ويحيى [ ص: 372 ] القطان ويزيد بن زريع ويزيد بن هارون ، كما قال به في الأول والعاشر والحادي عشر ابن عدي ، وإنهم أثبت الناس فيه .

وفي الثاني أبو داود فيما حكاه أبو عبيد الآجري عنه بقوله : كان سماعه منه قبل الهزيمة ، وفي الثالث النسائي فيما أشار إليه في سننه الكبرى ، وقال أبو عبيد عن أبي داود : إن ابن مهدي كان يقدمه على يزيد بن زريع ، وهو من قدماء أصحاب سعيد . وفي الرابع ابن حبان فقال : إنه سمع منه سنة أربع وأربعين قبل اختلاطه بسنة ، وكذا قال ابن عدي : إنه هو والسابع والتاسع أرواهم عنه بعد عبد الأعلى ، وفي الخامس ابن عدي ، وقال : إنه أرواهم عنه ، وابن المواق ، ورد قول أبي الحسن بن القطان : إنه مشتبه لا يدري قبل الاختلاط أو بعده . فأجاد في الرد ، وفي السادس ، وكذا في الحادي عشر أيضا ابن حبان ، وفي الثامن ابن سعد ، فقال : سمعته يقول : جالست سعيدا سنة ست وثلاثين وفي التاسع ابن معين ، وقال : إنه أثبت الناس فيه . وكذا قال في الأخير : إنه صحيح السماع منه سمع منه بواسط وهو يريد الكوفة ، وقول التاسع عن نفسه : إنه سمع منه في الاختلاط . يحتمل أنه يريد به بيان اختلاطه وأنه لم يحدث بما سمعه منه فيه .

وممن سمع منه في الاختلاط روح بن عبادة فيما قاله شيخنا في المقدمة وقد قدمت خلافه ، وابن مهدي ; فإن أبا داود فيما نقله الآجري عنه قال : إن سماعه منه بعد الهزيمة ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، فإنه قال : كتبت عنه بعدما اختلط حديثين ، ومحمد بن جعفر غندر ، ومحمد بن أبي عدي ، والمعافى بن عمران الموصلي ، ووكيع ; لقول ابن عمار الموصلي الحافظ : ليست روايتهما عنه بشيء ، إنما سماعهما بعد ما اختلط ، وقد قال ابن معين لثانيهما : تحدث عن سعيد ، وإنما سمعت منه في الاختلاط ؟ ! فقال : هل رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو .

حكى ذلك ابن الصلاح ، وعن وكيع أنه قال : كنا ندخل عليه بعد الهزيمة فنسمع ، فما كان من صحيح حديثه أخذناه ، وما لا طرحناه ، وخرج له الشيخان من رواية خالد وروح وعبد الأعلى وابن زريع المذكورين وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي [ ص: 373 ] ومحمد بن سواء السدوسي ومحمد بن أبي عدي ويحيى بن سعيد القطان عنه ، والبخاري فقط من حديث بشر بن المفضل ، وسهل بن يوسف وابن المبارك وعبد الوارث بن سعيد وكهمس بن المنهال ومحمد بن عبد الله الأنصاري عنه ، ومسلم فقط من حديث ابن علية وأبي أسامة وسالم بن نوح وسعيد بن عامر الضبعي وأبي خالد سليمان بن حيان الأحمر وعبد الوهاب الخفاف وعبدة وعلي بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر العبدي ومحمد بن بكر البرساني وغندر ، واختلف في موته فقيل : سنة خمسين أو خمس أو ست أو سبع وخمسين ومائة .

( ثم ) بعده جماعة ; كـ ( الرقاشي ) بفتح الراء المهملة وتخفيف القاف المفتوحة ثم شين معجمة وتشديد ياء النسبة ، نسبة إلى امرأة اسمها رقاش ابنة قيس ، ( أبي قلابة ) بكسر القاف وتخفيف اللام ثم موحدة ثم هاء تأنيث ، ويكنى أيضا أبا محمد لكنها أغلب ، واسمه عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم البصري الحافظ ، روى عنه من أصحاب الكتب الستة ابن ماجه ، ومن غيرهم خلق ، منهم ابن جرير وابن خزيمة ، وهو الذي وصفه بالاختلاط ، فقال : ثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد . انتهى .

وممن سمع منه أخيرا ببغداد أبو عمرو عثمان بن أحمد السماك وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي وغيرهما ، فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط وكانت وفاته في شوال سنة ست وسبعين ومائتين .

و ( كذا ) ممن [ ص: 374 ] كان قبل الاثنين المذكورين قبله من المختلطين ( حصين ) بمهملتين مصغرا ، ابن عبد الرحمن أبو الهذيل ( السلمي ) بضم المهملة وتشديد آخره الكوفي وابن عم منصور بن المعتمر ، وبنسبته سلميا يتميز عن جماعة اسم كل منهم حصين بن عبد الرحمن الكوفي ، مع أن ابن الصلاح لم يذكرها ، وهو أحد الثقات الأثبات المتفق على الاحتجاج بهم ، فقد قال أبو حاتم : إنه ساء حفظه في الآخر . ونحوه قول النسائي : إنه تغير . وقال الحسن الحلواني ، عن يزيد بن هارون : إنه اختلط . ولذا جزم ابن الصلاح بأنه اختلط وتغير ، وقال : ذكره النسائي وغيره ، ولكن قد أنكر ابن المديني اختلاطه . وكذا قال علي بن عاصم : إنه لم يختلط ، وهو ممن خرج له الشيخان من رواية خالد بن عبد الله الواسطي والثوري وشعبة وأبي زبيد عبثر بن القاسم ومحمد بن فضيل وهشيم وأبي عوانة الوضاح عنه ، والبخاري فقط من رواية حصين بن نمير وزائدة بن قدامة وسليمان بن كثير العبدي وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي وعبد العزيز بن مسلم وأبي كدينة يحيى بن المهلب وأبي بكر بن عياش عنه ، ومسلم فقط من رواية جرير بن حازم وزياد بن عبد الله البكائي وأبي الأحوص سلام بن سليم وعباد بن العوام وعبد الله بن إدريس عنه ، وفي هؤلاء من سمع منه قبل الاختلاط كالواسطي وزائدة والثوري وشعبة ، ومن سمع منه بعده كحصين ، وكانت وفاته في سنة ست وثلاثين ومائة عن ثلاث وتسعين سنة .

[ ص: 375 ] ( و ) كذا من المختلطين ( عارم ) بمهملتين ، ثانيهما مكسورة ، بينهما ألف وآخره ميم ، لقب لأحد الثقات الأثبات ، واسمه ( محمد ) هو ابن الفضل ، ويكنى أبا النعمان السدوسي البصري ، فقد قال البخاري : إنه تغير في آخر عمره . ونحوه قول أبي داود : إنه قد زال عقله . وقال النسائي : كان أحد الثقات قبل أن يختلط . وقال أبو حاتم : اختلط في آخر عمره وزال عقله ، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح وقد كتبت عنه قبله سنة أربع عشرة ، ولم أسمع منه بعده ، ومن سمع منه قبل سنة عشرين فسماعه جيد ، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين . وقال ابن حبان : إنه اختلط في آخر عمره وتغير حتى كان لا يدري ما يحدث به ، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة ، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون ، فإذا لم يعلم هذا من هذا ، ترك الكل ، وأنكر الذهبي قوله ، ووصفه بالتخسيف والتهوير ، وقال : إنه لم يقدر أن يسوق له حديثا منكرا ، والقول ما قال الدارقطني : إنه تغير بأخرة ، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر ، وهو ثقة ، ثم إن قول أبي حاتم الماضي يخالفه قول الحسين بن عبد الله الذارع ، عن أبي داود : بلغنا أنه أنكر سنة ثلاث عشرة ثم راجعه عقله واستحكم به الاختلاط سنة ست عشرة ، ونحوه قول العقيلي : إن سماع علي البغوي منه سنة سبع عشرة يعني بعد اختلاطه .

وممن سمع منه قبل الاختلاط أحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد المسندي وأبو علي محمد بن أحمد بن خالد الزريقي ; فإنه قال : حدثنا قبل أن يختلط . وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي كما تقدم ، والبخاري ; فإنه إنما سمع منه في سنة ثلاث عشرة قبل اختلاطه بمدة ; ولذا اعتمده في عدة أحاديث ، بل روى له أيضا بواسطة المسندي فقط ، ومحمد بن يحيى الذهلي ; فإنه قال : ثنا عارم ، وكان بعيدا من العرامة صحيح الكتاب وكان ثقة . ومحمد بن يونس الكديمي كما قاله الخطيب ، وقد قال ابن الصلاح : ما رواه عنه البخاري والذهلي وغيرهما من الحفاظ ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه .

وممن سمع منه بعده أبو زرعة الرازي وعلي بن عبد العزيز البغوي كما تقدم عنهما ، وحديثه عند مسلم أيضا بواسطة أحمد بن سعيد الدارمي وحجاج الشاعر [ ص: 376 ] وأبي داود سليمان بن معبد السنجي وعبد بن حميد وهارون بن عبد الله الحمال ، وكانت وفاته في سنة ثلاث أو في صفر سنة أربع وعشرين ومائتين ، والثاني أكثر .

( و ) كذا من المختلطين عبد الوهاب بن عبد المجيد أبو محمد ( الثقفي ) بفتح المثلثة والقاف ثم فاء ، نسبة إلى ثقيف ، البصري أحد الثقات ; لقول عباس الدوري عن ابن معين : إنه اختلط بأخرة . وكذا وصفه بالاختلاط عقبة بن مكرم ، وأنه كان قبل موته بثلاث سنين أو أربع ، لكن قال الذهبي في ( الميزان ) : إنه ما ضر تغيره حديثه ; فإنه ما حدث في زمنه بحديث ، واستدل لذلك بقول أبي داود : تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي فحجب الناس عنهما . وكذا قاله العقيلي ، ويخدش فيه قول الفلاس : إنه اختلط حتى كان لا يعقل ، وسمعته وهو مختلط يقول : ثنا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان باختلاط شديد ، ولعل هذا كان قبل حجبه ، وقد اتفق الشيخان عليه من جهة محمد بن بشار بندار ومحمد بن المثنى عنه ، والبخاري فقط من جهة أزهر بن جميل وعمرو بن علي الفلاس وقتيبة ومحمد بن سلام ومحمد بن عبد الله بن حوشب عنه ، ومسلم فقط من جهة إبراهيم بن محمد بن عرعرة وإسحاق بن راهويه وسويد بن سعيد وأبي بكر بن أبي شيبة وعبيد الله بن عمر القواريري وأبي غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي [ ص: 377 ] ومحمد بن عبد الله الرازي ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ويحيى بن حبيب بن عربي عنه .

و ( كذا ) من المختلطين ( ابن همام ) بفتح أوله ثم تشديد ; كحماد بن نافع ، هو عبد الرزاق أبو بكر الحميري أحد الحفاظ الأثبات ، ( بصنعا ) بفتح المهملة ثم نون ساكنة مقصورا للضرورة ، مدينة باليمن شهيرة ، ( إذ عمي ) لقول أحمد فيما رواه أبو زرعة الدمشقي عنه : أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر ، ومن سمع منه بعد ذهاب بصره فهو ضعيف السماع . وقال الأثرم عن أحمد أيضا : من سمع منه بعدما عمي فليس بشيء ، وما كان في كتبه فهو صحيح ، وما ليس في كتبه فإنه كان يلقن فيتلقن ، وحكى حنبل عن أحمد نحوه ، وكذا قال النسائي : فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة ، كتبوا عنه أحاديث مناكير .

وممن سمع منه قبل ذلك أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ووكيع وابن معين ، والضابط لمن سمع منه قبل الاختلاط أن يكون سماعه قبل المائتين ، كما تقدم ، وممن سمع منه بعد ذلك إبراهيم بن منصور الرمادي وأحمد بن محمد بن شبويه ، وإسحاق بن إبراهيم الدبري ، ومحمد بن حماد الطهراني ، قال إبراهيم الحربي : مات عبد الرزاق ، وللدبري ست أو سبع سنين . وكذا قال الذهبي : اعتنى به أبوه فأسمعه من عبد الرزاق تصانيفه ، وله سبع سنين ، ونحوه قول ابن عدي : إنه استصغر فيه ، وقال ابن الصلاح : وقد وجدت فيما روي عن الدبري عن عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا فأحلت أمرها على الدبري ; لأن سماعه منه متأخر جدا ، ومع ذلك فقد احتج به أبو عوانة في صحيحه ، وكذا كان العقيلي يصحح روايته ، وأدخله في الصحيح الذي ألفه ، وأكثر عنه الطبراني ، [ ص: 378 ] وقال الحاكم : قلت للدارقطني : أيدخل في الصحيح ؟ قال : إي والله . وكأنهم لم يبالوا بتغير عبد الرزاق ; لكونه إنما حدثه من كتبه ، لا من حفظه ، قاله المصنف ، ونحوه قول ابن كثير كما قدمته في ( أدب المحدث ) : من يكون اعتماده في حديثه على حفظه وضبطه ، ينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن أو لا ، بل الاعتماد على كتابه أو الضابط له فلا .

وقال شيخنا : المناكير الواقعة في حديث الدبري إنما سببها أنه سمع من عبد الرزاق بعد اختلاطه ، فما يوجد من حديث الدبري عن عبد الرزاق في مصنفات عبد الرزاق فلا يلحق الدبري منه تبعة إلا إن صحف وحرف ، وقد جمع القاضي محمد بن أحمد بن مفرج القرطبي الحروف التي أخطأ فيها الدبري وصحفها في مصنف عبد الرزاق ، إنما الكلام في الأحاديث التي عند الدبري في غير التصانيف ، فهي التي فيها المناكير ; وذلك لأجل سماعه منه في حال اختلاطه ، ثم إن حديث عبد الرزاق عند الشيخين من جهة إسحاق بن راهويه وإسحاق بن منصور الكوسج ومحمود بن غيلان عنه ، وعند البخاري فقط من جهة إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي وعبد الله بن محمد المسندي والذهلي ويحيى بن جعفر البيكندي ويحيى بن موسى البلخي خت عنه ، وعند مسلم فقط من جهة أحمد بن حنبل وأحمد بن يوسف السلمي وحجاج بن يوسف الشاعر والحسن بن علي الخلال وسلمة بن شبيب وعبد بن حميد وعمرو الناقد ومحمد بن رافع ومحمد بن مهران ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ، وكانت وفاته في شوال سنة إحدى عشرة ومائتين .

[ ص: 379 ] ( و ) كذا عد فيهم شيخ مالك وأحد الأئمة الأثبات ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المدني ، ( الرأي ) بتشديد الراء ثم همزة ; لأنه كان مع معرفته بالسنة قائلا به ، ( فيما زعموا ) حسبما حكاه ابن الصلاح ، فقال : قيل : إنه تغير في آخر عمره ، وترك الاعتماد عليه لذلك ، ولم أقف عليه لغيره ، وقال الناظم : لا أعلم أحدا تكلم فيه بالاختلاط . انتهى .

وإنما قال الواقدي : كانوا يتقونه لموضع الرأي ، على أن عبد العزيز بن أبي سلمة قال : قلت لربيعة في مرضه الذي مات فيه : إنا قد تعلمنا منك ، وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئا ; فنرى أن رأينا خير له من رأيه لنفسه فنفتيه . قال : فقال : أقعدوني . ثم قال : ويحك يا عبد العزيز ، لأن تموت جاهلا خير من أن تقول في شيء بغير علم ، لا لا ثلاث مرات ، وكانت وفاته في سنة اثنتين أو ست وثلاثين أو اثنتين وأربعين ومائة بالمدينة .

( و ) كذا ( التوأمي ) بفتح المثناة الفوقانية ثم واو ساكنة وهمزة تليها ميم ، وهو صالح بن أبي صالح نبهان المدني مولى أم سلمة ، تابعي ثقة ، ونسب كذلك ; لأنه يعرف بمولى التوأمة ، وهي ابنة أمية بن خلف الجمحي ، صحابية ، سميت بذلك ; لأنها كانت هي وأخت لها في بطن واحد ، فسميت تلك باسم ، وهذه بالتوأمة ; فإنه اختلط فيما قاله أحمد ، ونحوه قول ابن معين : خرف قبل أن يموت . وكذا قال ابن المديني : خرف وكبر . وقال ابن حبان : تغير في سنة خمس وعشرين ومائة ، وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات ، فاختلط حديثه الأخير [ ص: 380 ] بحديثه القديم ، ولم يتميز فاستحق الترك ، واقتصر ابن الصلاح على حكاية كلامه ، مع أنه ليس الأمر كذلك ، فقد ميز الأئمة بعض من سمع منه قديما ممن سمع منه بعد التغير ، فمن سمع منه قديما زياد بن سعد وابن جريج ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب حسبما قاله ابن عدي فيهم ، وابن معين وابن المديني والجوزجاني في الأخير فقط ، ولكن قال الترمذي فيما حكاه ابن القطان عنه عن البخاري عن أحمد بن حنبل : إن ابن أبي ذئب سمع منه أخيرا ، وروى عنه منكرا ، فالله أعلم . وممن سمع منه بعد الاختلاط السفيانان ومالك ، فقال ابن عيينة : سمعت منه ولعابه يسيل . يعني من الكبر ، وما علمت أحدا من أصحابنا يحدث عنه ، لا مالك ولا غيره ، وقال الحميدي ، عن ابن عيينة أيضا : لقيته سنة خمس أو ست وعشرين ومائة أو نحوها وقد تغير ولقيه الثوري بعدي . وقال أحمد : كان مالك أدركه وقد اختلط ، فمن سمع منه قديما فذاك . وممن نص على أن مالكا والثوري إنما سمعا منه بعد أن كبر وخرف ، ابن معين ، وكذا في الثوري خاصة الجوزجاني .

( و ) كذا ( ابن عيينة ) بتحتانيتين مع التصغير وبالصرف للضرورة ، هو سفيان أبو محمد الهلالي الكوفي نزيل مكة ، وأحد الأئمة الأثبات ، فقد قال يحيى بن سعيد القطان فيما حكاه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عنه : أشهدوا أنه اختلط سنة سبع وتسعين ، فمن سمع منه ، فيها وبعدها فسماعه لا شيء . قال الذهبي : وأنا أستبعده وأعده غلطا من ابن عمار ، فالقطان مات في الكوفة أول سنة ثمان [ ص: 381 ] وتسعين عند رجوع الحاج وتحدثهم بأخبار الحجاز ، فمتى تمكن من سماعه باختلاط سفيان حتى تهيأ له أن يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به ، ثم قال : فلعله ذلك في أثناء سنة سبع .

قال شيخنا : وهذا الذي لا يتجه غيره ; لأن ابن عمار من الأثبات المتقنين ، ثم ما المانع أن يكون القطان سمعه من جماعة ممن حج في تلك السنة واعتمد قولهم ، وكانوا كثيرا ، فشهد على استفاضتهم وأخبر به قبل موته ولو بيوم ; فضلا عن أكثر منه ، وقد وجدت عن القطان ما يصلح أن يكون سببا لما نقله عنه ابن عمار ، وهو ما أورده أبو سعد بن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد له بسنده إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : قلت لابن عيينة : كنت تكتب الحديث وتحدث القوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه ؟ فقال : عليك بالسماع الأول ; فإني سئمت . بل قال ذلك غير القطان ، فذكر أبو معين الرازي في زيادة كتاب الإيمان لأحمد ، أن هارون بن معروف قال له : إن ابن عيينة تغير أمره بآخرة ، وأن سليمان بن حرب قال له : إن ابن عيينة أخطأ في عامة حديثه عن أيوب .

وقد اتفق الشيخان على التخريج له من جهة إسحاق بن راهويه وبشر بن الحكم النيسابوري وولده عبد الرحمن بن بشر وقتيبة ومحمد بن عباد المكي وأبي موسى محمد بن المثنى عنه ، والبخاري فقط من جهة حجاج بن منهال وصدقة بن الفضل المروزي والحميدي وعبد الله بن محمد المسندي وعبد الله بن محمد النفيلي وعبيد الله بن موسى وعلي بن المديني وأبي نعيم الفضل بن دكين ومالك بن إسماعيل النهدي ومحمد بن سلام ، ومحمد بن يوسف ويحيى بن جعفر البيكنديين ، وأبي الوليد الطيالسي عنه ، ومسلم فقط من جهة إبراهيم بن دينار التمار وأحمد بن حنبل وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وأبي خيثمة زهير بن حرب وسعيد [ ص: 382 ] ابن عمرو الأشعثي وسعيد بن منصور وسويد بن سعيد وعبد الله بن محمد الزهري وعبد الأعلى بن حماد النرسي وعبد الجبار بن العلاء وأبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي وعبيد الله بن عمر القواريري وعلي بن حجر وعلي بن خشرم وعمرو بن محمد الناقد ومحمد بن حاتم بن ميمون ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب محمد بن العلاء ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ومخلد بن خالد الشعيري ونصر بن علي الجهضمي وهارون بن معروف ويحيى بن يحيى النيسابوري عنه .

قال الذهبي : ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع ، فأما سنة ثمان ففيها مات ولم يلق أحدا فيها ; فإنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر ، بل هو في الحقيقة نحو خمسة أشهر ; لأنه مات بمكة في يوم السبت أول شهر رجب ، كما قاله ابن سعد وابن زبر ، وقال ابن حبان : في آخر يوم من جمادى الآخرة منها ، وجزم ابن الصلاح بأن وفاته في سنة تسع ، والمعروف : ثمان ، وكان انتقاله من الكوفة إلى مكة سنة ثلاث وستين فاستمر بها حتى مات .

قال الذهبي : ومحمد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي سمع منه في سنة سبع ، وقال ابن الصلاح : إنه يحصل نظر في كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ابن عيينة وأشباهه . يعني ممن تغير .

وكذا ممن اختلط عبد الله بن لهيعة ; لقول أبي جعفر الطبري في ( تهذيب الآثار ) : إنه اختلط عقله في آخر عمره .

( مع ) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي ( المسعودي ) نسبة لجده ، أحد الثقات المشهورين والكبار من المحدثين فقد صرح باختلاطه غير [ ص: 383 ] واحد ; كمحمد بن عبد الله بن نمير وأبي بكر بن أبي شيبة والعجلي وابن سعد ، وأنها في آخر عمره ، وأبي حاتم ، وقال : قبل موته بسنة أو سنتين . وأحمد وقال : إنما اختلط ببغداد فمن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد . وكذا قال ابن معين : كان نزل بغداد وتغير ، فمن سمع منه زمان أبي جعفر ، يعني المنصور ، فهو صحيح السماع ، أو زمن المهدي فلا ، وهو قريب من قول أبي حاتم ، إذا مشينا على أن وفاة المسعودي سنة ستين ومائة ; لأن وفاة المنصور كانت بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ، أما على القول بأن وفاة المسعودي سنة خمس وستين فلا .

وقال ابن حبان : اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك ، وكذا قال أبو الحسن بن القطان : إنه لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعده ، وهو منتقض بتمييز جماعة من الفريقين ، فممن سمع منه قديما أبو نعيم الفضل بن دكين ووكيع فيما قاله أحمد ، وحديثا أبو داود الطيالسي وعاصم بن علي وابن مهدي وأبو النضر هاشم بن القاسم ويزيد بن هارون ، كما صرح به في الأول سلم بن قتيبة ، وفي الثاني والرابع أحمد ، وفي الآخرين ، ابن نمير ، وقال أبو النضر أحدهم : إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه ، كنا عنده وهو يعزى في ابن له ، فجاءه إنسان فقال له : إن غلامك أخذ من ملكك عشرة آلاف وهرب ، ففزع وقام ودخل إلى منزله ، ثم خرج إلينا وقد اختلط ، وقد وقع حديثه في البخاري لا بقصد التخريج له فيما ظهر لشيخنا كما قرره في ( مختصر التهذيب ) والمقدمة ، وإنما وقع اتفاقا ، ولم يرو له مسلم شيئا .

[ ص: 384 ] ( وآخرا حكوه ) أي : وفي المتأخرين حكى أهل الحديث ; كأبي علي البرذعي ثم السمرقندي في معجمه بلاغا ، ومن تبعهما الاختلاط آخر العمر ( في الحفيد ابن خزيمة ) بمعجمتين ، مصغر ، نسبة لجده الأعلى ، فهو أبو الطاهر محمد بن الفضل بن الحافظ الشهير إمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي . ( مع الغطريف ) بكسر المعجمة وإسكان المهملة ثم راء مكسورة ، بعدها مثناة تحتانية ثم فاء ، نسبة لجد جده ، وهو الثقة الثبت أحد أكابر الحفاظ في وقته ، أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف بن الجهم الرباطي الغطريفي الجرجاني العبدي مصنف المستخرج على البخاري والأبواب وصاحب الجزء العالي وشيخ القاضي أبي الطيب الطبري .

وكذا صرح به في أولهما الحاكم فقال : إنه مرض في الآخر وتغير بزوال عقله في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ، وعاش بعد ثلاث سنين ، وقصدته فيها فوجدته لا يعقل ، وكل من أخذ عنه بعد ذلك فلقلة مبالاته بالدين ، ومات في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين . انتهى .

وعلى هذا فمدة اختلاطه - كما قال المصنف في التقييد - سنتان ونصف سنة تنقص أياما ، وتجوز الذهبي فقال في ( العبر ) ، وتبعه المصنف في الشرح : اختلط قبل موته بثلاثة أعوام فتجنبوه . بل صرح في ( الميزان ) بقوله : ما عرفت أحدا سمع منه في أيام عدم عقله . وكذا قال في ( تاريخ الإسلام ) : وما أعتقد أنهم سمعوا منه إلا في صحة عقله ، فإن من لا يعقل كيف يسمع عليه ؟ ! وهو متعقب بكلام الحاكم على أن الحاكم لينه ، [ ص: 385 ] بخلاف هذا ; فإنه قال : عقدت له مجلس التحديث سنة ثمان وستين ، ودخلت بيت كتب جده ، وأخرجت له مائتين وخمسين جزءا من سماعاته الصحيحة ، وانتقيت له عشرة أجزاء ، وقلت : دع الأصول عندي صيانة لها . فأخذها وفرقها على الناس ، وذهبت ومد يده إلى كتب غيره فقرأ منها ، ثم إنه مرض . . . إلى آخر كلامه .

وأما ثانيهما فقال المصنف في التقييد : لم أر من ذكره فيمن اختلط إلا أبا علي المذكور ، وقد ترجمه حمزة السهمي في تاريخ جرجان ، فلم يذكر شيئا من ذلك ، وهو أعرف به ; فإنه من شيوخه ، ويشهد له رواية رفيقه الحافظ أبي بكر الإسماعيلي عنه في صحيحه لأكثر من مائة حديث ، لكنه يدلسه ، فمرة يقول : ثنا محمد بن أحمد العبدي ، ومرة : محمد بن أبي حامد النيسابوري والعبقسي والثغري ، لكن لا مانع أن يكون تغيره - إن صح - بعد أخذ الإسماعيلي عنه ، وكانت وفاته في رجب سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ، قال المصنف : وثم آخر يوافق الغطريفي في اسمه واسم أبيه وبلده ، ويقاربه في اسم الجد ، وهما متعاصران ، وهو محمد بن أحمد بن الحسن بالتكبير الجرجاني ، وهو ممن ذكر الحاكم أنه تغير واختلط ، فيحتمل أن اشتبه بالغطريفي .

وكذا ممن اختلط من المتأخرين أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم صاحب الربيع ، فقال القراب : إنه حجب عن الناس في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة فلم يؤذن لأحد عليه حتى مات ; لأنه ذهبت عيناه واختلط عقله ، وأبو الحسين زيد بن محمد بن جعفر بن المبارك العامري الكوفي المعروف بابن أبي اليابس [ ص: 386 ] أحد شيوخ ابن شاهين ، وغيره كابن السمعاني فإنه ترجمه في الياء التحتانية من الأنساب وقال : إنه كان قد اختلط عقله في آخر عمره ووسوس ، كتبت عنه يسيرا .

( مع القطيعي ) بفتح القاف وكسر المهملة ثم مثناة تحتانية بعدها عين مهملة ، نسبة لقطيعة الدقيق ببغداد ، أبي بكر ( أحمد ) بن جعفر بن حمدان بن مالك ( المعروف ) بالثقة بحيث قال الحاكم : إنه ثقة مأمون . وقال الخطيب : لا أعلم أحدا ترك الاحتجاج به . وقال الذهبي : إنه صدوق في نفسه ، مقبول ، وهو صاحب الأجزاء القطيعيات الخمسة ; النهاية في العلو لأصحاب الفخر بينهم وبينه في مدة أربعمائة سنة ونيف أربعة أنفس لا غير ، والراوي لمسند أحمد ، والزهد الكبير له ، المنفرد بهما ، فقد قال ابن الصلاح : إنه اختل في آخر عمره وخرف حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه . وحكاه الذهبي في ( الميزان ) وقال : ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات يعني كما نقله الخطيب عنه ، ثم قال الذهبي : وهذا القول غلو وإسراف ، وقد كان أبو بكر أسند أهل زمانه . انتهى .

وإنكاره على ابن الفرات كما قال شيخنا : عجيب فإنه لم ينفرد بذلك فقد حكى الخطيب في ترجمة أحمد بن أحمد السيبي أنه قال : قدمت بغداد ، وأبو بكر بن مالك حي ، وكان مقصودنا درس الفقه والفرائض ، فقال لنا ابن اللبان الفرضي : لا تذهبوا إلى ابن مالك ; فإنه قد ضعف واختل ومنعت ابني السماع منه . قال : فلم نذهب إليه . انتهى .

ويجوز أن يكون الذي أنكره الذهبي من كلام ابن الفرات قوله : كان لا يعرف شيئا مما يقرأ ، لا الاختلاط . ولكن قد قال الذهبي في ترجمة أبي علي بن المذهب الراوي عن القطيعي ـ هذا من الميزان أيضا ـ ما نصه : الظاهر [ ص: 387 ] من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن ، وكذلك شيخه ابن مالك ، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن والإسناد . انتهى ، وبالجملة فسماع أبي علي للمسند منه قبل اختلاطه ، كما نقله شيخنا عن شيخه المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية