الركن الثاني : ، وهو كل آدمي تناوله عقد الإسلام أو الذمة ; لقوله - عليه السلام - : ( الواجب عليه ) ، وهو عام فيما ذكرناه ، والقيد الأول : احتراز من البهيمة ; لقوله - عليه السلام - : ( على اليد ما أخذت حتى ترده ) ، والأخير احتراز من الحربي ، فإنه لا يضمن المغصوب في القضاء ، أما في الفتيا : فالمشهور مخاطبته بفروع الشريعة ، فيضمن عند الله تعالى ، ويبقى في الحد العامد والجاهل ، والغافل والعبد والحر ، والذمي ، لإجماع الأمة على أن العمد والخطأ في أموال الناس سواء ، قال صاحب المقدمات : يستوي المسلم والذمي ، والبالغ والأجنبي والقريب ، إلا الوالد من ولده ، والجد للأب من حفيده . قيل : لا يحكم له بحكم الغصب ; لقوله - عليه السلام - : ( جرح العجماء جبار ) والمسلم من المسلم والذمي ، أو الذمي من المسلم والذمي ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنت ومالك لأبيك من ظلم [ ص: 270 ] ذميا أو معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة ) . ويجتمع في الغصب حق الله تعالى ، وحق المغصوب منه إلا الصغير لا يعزر لعدم التحريم عليه ، وقيل : يؤدبه الإمام .
قاعدة : حقه تعالى : أمره ونهيه ، وحق العبد مصالحه ، وكل حق للعبد ففيه حق لله تعالى ، وهو أمره بإيصال ذلك الحق لمستحقه ، هذا نص العلماء ، والحديث الصحيح خلافه ، ( ) . ففسر حقه تعالى بالمأمور دون الأمر ، فيحتمل أن يكون حقيقة فيتعين المصير إلى تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون العلماء ، ويحتمل التجوز بالمأمور عن الأمر فيوافق نصوص العلماء ، ثم قد ينفرد حق الله تعالى كالمعرفة والإيمان ، وقد ينفرد حق العبد كالديون والأثمان ، وقد يختلف العلماء إذا اجتمعا في أيهما يغلب ، كحد القذف ، من خصائص حق العبد وبه يعرف تمكنه من إسقاطه ، ومن خصائص حق الله تعالى : تعذر إسقاط العبد له وقبوله للتوبة محوا ، والتفسيق إثباتا . سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حق الله على العباد ؟ فقال : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
قاعدة : يعتمد المصالح المفاسد دون التحريم تحقيقا للاستصلاح ، وتهذيبا [ ص: 271 ] للأخلاق ، ولذلك تضرب البهائم إصلاحا لها ، والصبيان تهذيبا لأخلاقها ، ولذلك قيل : يهذب الصبي على الغصب ، وكذلك يضرب على الزنا والسرقة وغيرهما نفيا للفساد بين العباد لا للتحريم ، ولذلك قال ( ش ) - رضي الله عنه - : أحد الحنفي على شرب النبيذ ، وأقبل شهادته لمفسدة السكر ، وإفساد العقل المتوقع إذا لم يسكر من النبيذ لانتفاء التحريم بالتقليد ، وقال مالك - رحمة الله عليه - : أحده ولا أقبل شهادته بناء على أن التقليد في شرب النبيذ لا يصح ؛ لكونه على خلاف النص والقياس والقواعد .
فرع
في المقدمات : إذا ، فقيل : ما أصابه من الأموال والديات هدر كالبهيمة ، وقيل : المال في ماله ، والدم على عاقلته إن كان الثلث فصاعدا كالخطأ ، وقيل : المال هدر ، والدم على عاقلته إن كان الثلث فصاعدا تغليبا للدماء على المال ، وحكم هذا حكم المجنون المغلوب على عقله . كان الغاصب صبيا لا يعقل
وأما حق المغصوب فيه : فرد المغصوب إن وجد ، أو قيمته يوم الغصب إن فقد ، وهو غير مثلي ، أو مثله في الموزون والمكيل والمعدود الذي لا تختلف آحاده كالبيض والجوز .
فرع
قال ابن يونس : قال محمد : كالمسودة حين دخلوا لا يضمن المنهدم من غير فعله ، بل قيمة السكنى ، ويضمن ما هو بفعله ، وغاصب الرقبة يضمنها مطلقا مع أجرة السكنى ، قال غاصب السكنى فقط ابن القاسم : إذا نزل السلطان على مكتر فأخرجه وسكن . المصيبة على صاحب الدار لعدم وضع اليد على الرقبة ، بل على المنفعة ، ويسقط عن المكتري ما سكن السلطان لعدم تسليمه لما اكترى ، وعدم [ ص: 272 ] التمكن ، قال ابن القاسم : وغير السلطان في الدار والأرض يزرعها غصبا من مكتريها لا يسقط الكراء عن المكتري ; لأنه هو المباشر بالغصب دون المالك للرقبة إلا السلطان الذي لا يمنعه إلا الله تعالى ; لأنه كالأمر السماوي بخلاف من يمنعه من هو فوقه .
فرع
في الكتاب : إذا رجع مستحقه على الغاصب المليء ; لأنه المتعدي المسلط ، وإن كان معدما أو معجوزا عنه فعليك ; لأنك المنتفع بماله ، ولا ترجع أنت على الواهب بشيء لعدم انتفاعه وانتفاعك ، وكذلك لو وهب لك طعاما أو إداما فأكلته ، أو ثوبا فلبسته حتى أبليته ، فلا ترجع على المعير بما تغرم ، فلو اكتريته فنقصته باللبس أخذ المستحق ثوبه منك وما نقصه اللبس ، وترجع على الغاصب بجميع الكراء كالمشتري ، قال أعارك الغاصب فنقصت بلبسك ابن يونس : قال أشهب : إذا وهبك الغاصب فأبليت أو أكلت اتبع أيكما شاء لوجود سبب الضمان في حقكما . قال ابن القاسم : إن كان الواهب غير غاصب لم يتبع غير الموهوب المنتفع ، وهو خلاف ما له في كتاب الاستحقاق في مكري الأرض يحابي في كرائها ، ثم يطرأ أخوه وسواء بين المتعدي وغيره ، وهو أصله في المدونة : أن يبدأ بالرجوع على الواهب ، فإن أعدم فعلى الموهوب إلا أن يكون الواهب عالما بالغصب فكالغاصب في جميع الأمور ، ويرجع على أيهما شاء ، وقول أشهب أقيس ، ولا يكون الموهوب أحسن حالا من المشتري ، ووجه التبدئة بالغاصب : أن الظالم أحق أن يحمل عليه ، والفرق بين الموهوب والمشتري : أن المشتري إذا غرم رجع بالثمن ، والموهوب لا يرجع . قال : إذا كان المعير غاصبا لا يضمنه المالك النقص ، بل له أن يضمنه الجميع ، ولا شيء له على المستعير ، وإن كان الغاصب عديما بيع الثوب في القيمة واتبع المستعير بالأقل من تمام القيمة ، وما نقص لبس الثوب إلا أن يكون قد كان للغاصب مال وقت لباس المستعير ، ثم [ ص: 273 ] زال المال ، فلا يضمن المستعير شيئا لاتباعه الغاصب بالقيمة ، وإن شاء المستحق أخذ الثوب أو ما نقصه اللبس من المستعير فذلك له في عدم الغاصب ، قال سحنون ابن القاسم : ولو فلا يتبع إلا الغاصب إن لم تعطب بفعل المشتري ، بخلاف ما أكله المكتري أو لبسه حتى أبلاه ، يغرمه المكتري ويرجع بالثمن على الغاصب . وعن أكرى الغاصب الدابة فعطبت تحت المكتري مالك : إذا ، ضمنه ، مثلما يتلف المشتري بنفسه ، فمن اشتراه أن لمستحقه تضمينه ، وفرق آجرته ليبلغ لك كتابا ولم يعلم أنه عبد فعطب ابن القاسم بين العبد والدابة المكتراة ، وما بينهما فرق ، وكذلك لو لم يركبها وبعثها مع غيره إلى قرية . قال محمد : وهما سواء في الضمان ، قيل : لمحمد : قد قال مالك في المشتري يهدم الدار : لا يضمن . قال : قد قال في قطع الثوب : يضمن . والفرق أن الدار يقدر على إعادتها بخلاف الثوب ، وكسر الحلي كهدم الدار لعدم التلف ، وقاطع الثوب كذابح الشاة وكاسر العصا وباعث الغلام فيهلك - تلف له ، قال ابن يونس : ولو قال قائل : هدم الدار ، وذبح الشاة ، وكسر الحلي ، وركوب الدابة ، والبعث بها سواء ، لم أعبه لاستواء العمد والخطأ في الضمان .
فرع
في الكتاب : إذا أودع المغصوب لا ضمان على المودع إلا أن يتعدى ; لأن يد المودع كصندوقه ، وامرأته وعبده الذي يشيل متاعه .
فرع
قال ابن يونس : قال : إذا سحنون تلزمه ; ( لأن الصبي في ندم الضمان كالبالغ ، ولو قال : أقررت لك بألف وأنا صبي تلزمه ; لأن قوله ) وأنا صبي ندم . قال : كنت غصبت ألف دينار وأنا صبي
[ ص: 274 ] فرع
قال : قال : إذا سحنون ، لرب المتاع اتباع أيكما شاء ; لتعديه بالأمر ، وتعديك بالمباشرة ، فإن اتبعك رجعت عليه ، فإن غاب رب المتاع وعزل الأمير فلك مطالبته ; لأن رب المتاع قد يجيء ويطالبك . وقال ابن دينار في ظالم أسكن معلما دارك ليعلم ولده ، ثم مات ومت . يخير صاحب الدار بين ما لك وما له . وقال أكرهك العامل على دخول بيت رجل لتخرج منه متاعا لتدفعه إليه وفعلت ، ودفعته إليه ثم عزل ابن أبي زيد في مخبر اللصوص بمطمرك ، أو غاصب ، يضمن الدال ، وقيل : لا . لضعف سبب الدلالة .
فرع
قال : . قاله لو اتفقتما على أن يقر لك برق نفسه على أن تبيعه ويقاسمك الثمن ففعلت وهلكت ، ضمن المقر بالملك لثمن البائع لغروره بذلك محمد ، وكذلك لو بيع في المغانم وهو حر فسكت ; لأن سكوته تغرير . وقالوا في المتعدي عليك عند السلطان وهو يعلم أنه يتجاوز فيك إلى الظلم ، فقال مالك : عليه الأدب فقط ، وقيل : إن كان ظالما في شكواه ضمن ، أو مظلوما لا يقدر على النصفة إلا بالسلطان فلا شيء عليه لعذره في ذلك ، ويلزم السلطان الضمان متى قدر عليه ، وكذلك رسل السلطان في هذه التفرقة ، وقيل : ينظر إلى القدر الذي لو استأجر به على إحضارك فهو عليك ، ويفرق فيما زاد على ذلك بين المظلوم والظالم ، وأما الذي يكتب للسلطان أسماء جماعة فيقدمون وهو يعلم أنه يظلمهم بذلك فيغرم مع العقوبة ، وفيه خلاف .
[ ص: 275 ] فرع
قال : وقال عبد الملك : إذا ، لا يضمن ; لأنه مما يعم في الصلوات والمجالس . جلست على ثوب رجل في الصلاة فيقوم فينقطع