الشرط الخامس : ، والنظر في المستقبل إليه والمستقبل فيه والمستقبل نفسه ، فهذه ثلاثة أطراف : الطرف الأول المستقبل إليه وهو الكعبة قال الله تعالى : ( استقبال الكعبة وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) والشطر في اللغة النصف وهو أيضا الجهة وهو المراد هاهنا فيجب على [ ص: 114 ] العالم أن يكونوا مستقبليها بوجوههم كالدائرة لمركزها ، فأما داخلها فقال في الكتاب : الحجر فريضة ، ولا ركعتا الطواف الواجبتان ، ولا الوتر ، ولا ركعتا الفجر وغير ذلك لا بأس به فإن لا تصلى فيه ولا في أعاد في الوقت كمن صلى إلى غير القبلة ، وأجاز صلى مكتوبة الشافعي وأبو حنيفة المكتوبة لقوله تعالى : ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) قال في الأم : ولا موضع أطهر منه ، ووافقنا الشافعي ، ومنع ابن حنبل الجميع لما في ابن جرير مسلم أنه - عليه السلام - ، الآية المتقدمة ، والمصلي داخله لم يستقبله بل بعضه ، ولأنه لم يأت عن أحد من السلف أنه صلى في البيت ، وكيف تغفل الأمة عن الفضيلة التي ذكرها لما دخل البيت كبر في نواحيه ، ولم يصل فيه حتى خرج ركع في قبل البيت ركعتين وقال : هذه القبلة لنا مع اجتهاد سلفها وخلفها في تحصيل الفضائل ، ولأن الاستقبال مأمور به ، وكل مأمور به لا بد أن يكون ممكن الفعل والترك حالة التكليف ، والمصلي داخل البيت يستحيل ألا يكون مستقبلا لبعضه فيسقط التكليف وهو خلاف الإجماع . الشافعي
والجواب عن هذه الآية : أن موضع الطواف خارج البيت إجماعا فيكون موضع الركوع والسجود كذلك ، وأما جواز فلما في الموطأ النافلة وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي وبلال ، فأغلقها عليه ومكث فيها قال : فسألت ابن عمر بلالا حين خرج [ ص: 115 ] ماذا صنع عليه السلام فقال : جعل عمودا عن يساره ، وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، ثم صلى . زاد أنه - عليه السلام - دخل الكعبة هو أبو داود صلى ركعتين ، وهذا الحرف يدفع تأويل أن صلاته كانت دعاء ; لأن ابن جرير وترك القيام مع القدرة والإيماء بالركوع والسجود عند بعض العلماء ، قال صاحب الطراز : وفي النافلة يجوز ترك الاستقبال فيها مطلقا في السفر ثلاثة أقوال : ففي الكتاب يعيد في الوقت كالمصلي بالاجتهاد لوقوع الخلاف في المسألة ، وعند إعادة المكتوبة ابن حبيب وأصبغ يعيد أبدا ترجيحا لوجوب استقبال جميع البيت ، وعند لا يعيد مطلقا نظرا لمدرك ابن عبد الحكم - رضي الله عنهم أجمعين - قال : فلو الشافعي فثلاثة أقوال صلى فوق ظهر البيت لمالك : يعيد أبدا ، وعند أشهب في الوقت ، وعند لا يعيد مطلقا ، وقال ابن عبد الحكم أبو حنيفة : إن لم يبق بين يديه من السطح شيء لم يجزه وإلا أجزأه وهو محكي عن أشهب وقال : لا يجزيه إلا أن يكون عليه ما يستره من البناء ، وقال أصحابه : يكفيه من ذلك غرز خشبة أو عصا ، قال صاحب الجلاب : يكره أن تصلى المكتوبة في الكعبة الشافعي والحجر وعلى ظهرها ، ومن فعل أعاد في الوقت في جميع ذلك ، قال صاحب الطراز : ولو جوزنا ولا بأس بصلاة النافلة لم نجزها في سرب تحتها أو مطمورة ; لأن البيوت شأنها أن ترتفع ، [ ص: 116 ] وليس شأنها أن تنزل ، وكذلك قال في المساجد إن أسطحتها لها أحكام المساجد ، بخلاف ما لو حفر تحتها بيتا يجوز أن يدخله الجنب والحائض ، إلا أن ذلك لا يفعل إلا بإذن الإمام ، ومنشأ الخلاف هل المقصود بالاستقبال بعض هوائها أو بعض بنائها أو جملة بنائها وهوائها ؟ والأول مذهب الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها أبي حنيفة وسوى بين داخل البيت وظهره ; لوجود بعض الهواء ، والثاني مذهب فسوى بين جزء البناء داخل البيت وعلى ظهره ، والثالث مذهبنا وهو مقتضى ظواهر النصوص ، فإن جزء البناء لا يسمى بيتا ولا كعبة ، وأبعد من ذلك جزء الهواء العاري عن البناء فإن الكعبة في اللغة : هي المرتفعة ، ومنه المرأة الكاعب إذا ارتفع ثديها ، وكعب الرجل ، والبيت هو ذو السقف والحيطان ، وهذا المعنى لا يتحقق إلا في جملة البيت ببنيانه وهوائه وهذا هو الفرق على المشهور بين داخله وظهره ، فإن داخله ارتفاع من حيث الجملة وظهره فراغ محض ، والفرق بين الصلاة على ظهرها وعلى الشافعي أبي قبيس : أن المصلي على أبي قبيس مستقبل بوجهه جملة البناء والهواء بخلاف ظهرها ، ولأن السنة فرقت بينهما فنهى - عليه السلام - عن الصلاة على ظهرها .
فروع ثلاثة :
الأول في الجواهر : لو امتد صف طويل قريب البيت فالخارج عن [ ص: 117 ] سمت البيت تبطل صلاته ؛ ومثل هذا الصف في الآفاق تصح ، وكذلك تصح إجماعا . وهو مبني على قاعدتين إحداهما : أن الله تعالى إنما أوجب الاستقبال العادي دون الحقيقي ، فلو استقبل صف طويل حيوانا بعيدا في برية صدق في العادة أن كل واحد منهم قبالته في رأي العين ، ولو قرب منهم بطل ذلك فكذلك الكعبة طولها أربعة وعشرون ذراعا ، وعرضها عشرون ذراعا فالصف البعيد منها يعد في العادة مستقبلا لها بخلاف القريب . القاعدة الثانية : أن الخلائق يستقبلون الصلاة في بلدين متقاربين لسمت واحد الكعبة شرفها الله كاستقبال أجزاء محيط الدائرة لمركزها ، فإذا تخيلنا الكعبة مركزا فقد خرج منه خطوط مجتمعة الأطراف في المركز وكلما بعدت اتسعت مثل قصبتي شبكة الصيادين . فمن المعلوم حينئذ أن كلما بعد خطان من هذه الخطوط وسع طرفاهما أكثر مما إذا قربا ، فلذلك كان الصف الطويل في البعد مستقبلا وفي القرب ليس مستقبلا .
الثاني في الجواهر : بمكة خارج المسجد يستقبل بناء الكعبة فإن لم يقدر استدل فإن كان الاستدلال بمشقة ، فلبعض المتأخرين في جواز الاجتهاد تردد . الواقف
الثالث : بالمدينة يتنزل محرابه - عليه السلام - في حقه منزلة الكعبة ، فلا يجوز له الاجتهاد بالتيامن والتياسر ; لأنه منصوب بالوحي ، ومباشرة [ ص: 118 ] المعصومين : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الواقف وجبريل - عليه السلام - وإجماع الأمة وهي معصومة أيضا فيقطع بصحته وخطأ مخالفه ، فلا معنى للاجتهاد . الطرف الثاني الذي يستقبل فيه ، وفي الجواهر يجب الاستقبال إلا في القتال لقوله تعالى : ( فرجالا أو ركبانا ) . ، فإن فعلت مثل فعلها في الأرض ففي جواز ذلك ، وكراهيته قولان نظرا لصورة الأداء ، وإلى أن الأرض يتأتى فيها من التواضع والتذلل بمباشرة التراب والتمكن من الخشوع ، ما ليس في الرواحل ، وهذا هو مذهب الكتاب ، فقال في ولا تصلى فريضة ولا صلاة جنازة على راحلة بل على الأرض ، وهو قول مريض لا يستطيع الجلوس لا يصلي المكتوبة في محمله ، وفي الشافعي أبي داود عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت هل رخص - عليه السلام - للنساء أن يصلين على الدواب ؟ قالت : لم يرخص في ذلك في شدة ولا رخاء . قال صاحب الطراز : فإن فعل قال عن : يعيد أبدا ، وقال سحنون ابن حبيب وابن عبد الحكم : إذا استوت حالتا الأرض والمحمل في الإيماء فلا شيء عليه .