فروع خمسة : الأول في ( الكتاب ) : من أحرم بالحج من مكة  وأخر الخروج يوم التروية  والليلة المقبلة ، ولم يبت بمنى  ، وغدا من مكة  إلى عرفات  فقد أساء ولا شيء عليه قال  ابن القاسم     : كره ترك المبيت بمنى   كما كره تركه بها بعد عرفات  وقال : على من ترك ليلة كاملة أو جلها دم . ولم ير فيه قبل عرفة  دما . 
ويكره التقدم على منى  قبل التروية أو إلى عرفة   ، ولا يتقدم الناس بأقبيتهم إليها بل يقتدى به عليه السلام ، وكره البنيان الذي اتخذه الناس بمنى  وبنيان مسجد عرفة    ; لأنه محدث بعد بني هاشم  بعشرين سنة ، قال  سند     : المبيت قبل عرفة  بمنى  للاستراحة ، لا لإقامة نسك بها وبعدها لإقامة النسك فيكون نسكا فيتعلق بترك الدم ، وإذا حضرت الجمعة يوم التروية وجبت على المقيمين ، والأفضل للمسافر   [ ص: 255 ] شهودها عند  أصبغ  ، وتركها لإدراك الظهر والعصر بمنى  عند  محمد  ، قال   ابن عبد الحكم     : ولو أنه صلى الظهر في الطريق ، ولم يكره  أشهب  تقديم الأثقال قبل التروية ; لتعلق المناسك بالأبدان دون الأثقال ، وكراهة البناء بمنى     ; لأنها حرام لا ملك فيها فلا تحجر ، لما في  الترمذي  قلنا يا رسول الله : ألا نبني لك بيتا يظلك بمنى  ؟ قال : لا ، منى  مناخ من سبق   . وقال  مالك     : يقدم الإمام والناس يوم عرفة  قبل الشمس  ، ومن دابته ضعيفة قبل ذلك قال  مالك     : ويستحب الذهاب راكبا لفعله عليه السلام . 
الثاني : في ( الكتاب ) موضع الخطبة به اليوم حيث كان قديما ، ويخطب متكئا على شيء ، ويصلي بالناس ثمت ، ويؤذن المؤذن إن شاء والإمام يخطب أو بعد فراغه ، قال  سند     : يستحب للإمام وغيره النزول بنمرة   وهو موضع بعرفة  فيضرب الإمام خباء أو قبة بها كفعله عليه السلام ، فإذا زالت الشمس اغتسل الناس للوقوف  ، وذهبوا للمسجد ذاكرين الله تعالى وهذا المسجد اليوم هو موضع خطابته ، والمذهب : أنه لا يخطب قبل الزوال . وجوزه  ابن حبيب  قبله بيسير ، إلا أنها ليست للصلاة حتى يقف على وقتها ، وإنما هي للتعليم ، والأول أظهر تأسيا به عليه السلام وتأخير الأذان بعد الخطبة أحسن ; لحديث  جابر  ، ولنفي التخليط ، وقال الشافعية : إذا قام الإمام من الجلسة ، ويستحب تطويل الدعاء لقوله عليه السلام : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة     ) وفي  مسلم  قال عليه السلام : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا   [ ص: 256 ] من النار من يوم عرفة  ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء   ) . وفي ( الجلاب ) : يجمع بين الظهر والعصر بأذانين وإقامتين  ، وقيل : بإقامتين بلا أذان قال  سند     : قال  مالك     : من فاته الإمام جمع في رحله ، وقال أيضا : له الجمع في رحله وربما صلى مع الإمام ، وقال  ابن حبيب  و ( ش ) و ( ح ) : لا يترك الجمع مع الإمام ألبتة للسنة . 
( تنبيه ) : جمع  الرشيد  مالكا  وأبا يوسف     - رضي الله عنهما - فسأل  أبو يوسف  مالكا  عن إقامة الجمعة بعرفة  ؟ فقال  مالك     : لا يجوز ; لأنه عليه السلام وافق الجمعة بعرفة  في حجة الوداع ولم يصلها ، فقال  أبو يوسف     : قد صلاها ; لأنه خطب خطبتين وصلى بعدهما ركعتين وهذا هو الجمعة فقال  مالك     : أجهر فيهما بالقراءة كما يجهر بالجمعة ؟ فسكت  أبو يوسف  وسلم  لمالك     . 
الثالث : في ( الكتاب ) : إذا فرغ الإمام من الصلاة دفع إلى عرفات  والناس بعده ، والنزول بعرفات  ومنى  والمشعر الحرام  حيث شئت ; لما في حديث  جابر  قال عليه السلام : ( نحرت ههنا ومنى  كلها منحر ، ووقفت ههنا وعرفة  كلها موقف   ) وقاله الجميع ، وقال  سند     : قال  ابن حبيب     : إذا تمت الصلاة بعرفة  فخذ في التهليل والتحميد والتكبير  ، ثم استند إلى القصبات بسفح الجبل ، وحيث يقف الإمام أفضل لحديث  جابر  قال  مالك     : لا أحب الوقوف على جبال عرفة  ولكن مع الناس ، وليس في موضع من ذلك فضل إذا وقف مع الناس ، واتفق الجميع على أن وادي عرفة  ليس من عرفة  ، ولا يجزئ الوقوف به . واختلفوا في مسجد عرفة  قال  مالك     : لم يصب من وقف به ، قيل : فإن فعل ؟ قال : لا أدري ، وقال  أصبغ     : لا يجزئ ، واختار  محمد  الإجزاء ; لما في  أبي داود     ( أنه عليه السلام   [ ص: 257 ] صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة    ) والظاهر أن موضع الصلاة موضع الخطبة وهو خطب مكان المسجد اليوم ، والركوب أفضل عند  مالك   وابن حنبل  ، خلافا ل ( ش ) للسنة . ولما فيه من الاستعانة على الدعاء ، ولذلك يستحب ترك الصوم فمن وقف قائما فلا يجلس إلا إذا أعيا . 
الرابع : في ( الكتاب ) : من وقف به مغمى عليه  حتى دفع أجزأه ، ولا دم عليه خلافا ل ( ش ) لأن الإغماء إذا طرأ على الإحرام  لا يفسده إجماعا . وقد دخلت نية الوقوف في نية الإحرام . ولذلك يجزئ النائم ، وفي  أبي داود  قال  عروة بن مضرس الطائي     : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالموقف يعني : بجمع  فقلت يا رسول الله : أهلكت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال عليه السلام : ( من أدرك معنا هذه الصلاة ، وأتى قبل ذلك عرفات  ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه   ) وفي ( الجواهر ) : روي عن  مالك  أن من أغمي عليه قبل الزوال لم يجزئه أو بعده ، قبل أن يقف أجزأه ، وإن اتصل به الإغماء حتى دفع وليس عليه أن يقف ثانية إن أفاق بقية الليل . كالذي يغمى عليه في رمضان قبل الفجر أو بعده ، وروي عنه : إن وقف مفيقا ، ثم أغمي عليه  أجزأه فإن وقف مغمى عليه فلم يقف حتى طلع الفجر لم يجزئه ; لأن الإغماء ينافي التقرب والنية الفعلية ، فأولى الحكمية التي هي أضعف منها ، والفرق بين الحج والصوم : أن الصوم ترك ، والترك لا يتوقف الخروج عن عهدتها على الشعور بها ، ولا القصد إليها بدليل الخروج عن عهدة كل قتل في العالم ، وشرب الخمر وإن لم تشعر بذلك النفوس ولا بذلك الخمور ، وإنما يكون الصوم فعلا عند ابتداء   [ ص: 258 ] الدخول فيه لا جرم إذا أغمي عليه حينئذ بطل ، والحج فعل حقيقي فيتعين فيه الشعور والقصد ، ولاحظ  مالك  في المشهور قوة انعقاد الإحرام مع أعظم مفسداته كالجماع وغيره ، وأشار إلى الزوال ; لأنه ابتدأ الدخول في هذا الركن ، فكأنه وقت النية الفعلية وهو كالفجر مع الصوم . 
الخامس : قال  ابن القاسم  في ( الكتاب ) : من تعمد ترك الوقوف حتى دفع الإمام  أجزأه أن يقف ليلا ، وأساء ويهدي ، ومن مر بعرفة  مارا بعد دفع الإمام أجزأه إن كان قبل الفجر . والأفضل في الوقوف الطهارة ، وروى الأبهري بإسناده قال عليه السلام : ( من أدرك عرفات  بليل  فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات  بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة   ) وهو نص في اشتراط الليل ، قال  سند     : إذا غم على الناس ليلة تسع وعشرين من ذي القعدة فأكملوا ووقفوا التاسع فثبت أنه العاشر قال  مالك  وابن القاسم  و ( ش ) و ( ح ) : يجزئهم لقوله عليه السلام : ( حجكم يوم تحجون   ) أي : يوم يحجون فيه اجتهادا ، ولعظم مشقة الحج ، وقال  ابن القصار     : لا يجزئهم كما لو أخطوا المكان ، وقال الشافعية : لو ثبت أنه العاشر قبل وقوفهم  ووقفوا أجزأهم وهو باطل ; لتيقن الخطأ حالة المباشرة ، وإنما الرخصة إذا وقفوا معتقدين ، ولذلك صحت الصلاة مع اعتقاد جهة الكعبة  ، وبطلت مع اعتقاد خطئها . 
وفي ( تهذيب الطالب ) قال  ابن القاسم     : إذا ثبت أن وقوفهم يوم النحر مضوا على عملهم تبين ذلك في يومهم أو بعده ، ويتأخر النحر وعمل الحج كله كحال من لم يحط ، وقال ( ح ) : إن تبين أنه يوم التروية   [ ص: 259 ] أجزأه ; لأنه عليه السلام بعث  أبا بكر  سنة ثمان أميرا على الحج وألحقه   علي بن أبي طالب     - رضي الله عنهما - بسورة ( براءة ) يقرؤها على المشركين بعرفة  موضع اجتماعهم ، ويأمرهم أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . 
وكان حج الجميع في ذي القعدة ; لأن الجاهلية كانت تحج في كل شهر سنتين فصادف تلك السنة ذا القعدة ، وتأخر عليه السلام حتى أتى سنة تسع فحج في ذي الحجة فإذا صح الحج قبل عرفة  بشهر فأولى بيوم ، وفي ( الجواهر ) : لو وقفوا الثامن لم يجزئهم ووجب القضاء ، وحكي الإجزاء عن  ابن القاسم   وسحنون  والقاضي أبي بكر  قال  سند     : من ردت شهادته في الهلال يلزمه الوقوف كالصوم ، وقاله الجمهور ، وقال  محمد بن الحسن     : لا يجزئه حتى يقف مع الناس يوم العاشر ، وقد سلم الصوم فيكون حجة عليه . 
وأول الوقوف  عند الجمهور زوال الشمس ، وعند   ابن حنبل  من طلوع الفجر لحديث  عروة  السابق ، وقياسا لجميع النهار على جميع الليل ، وجوابه : أنه فعله عليه السلام واتفاق أهل الأعصار على ذلك ، وآخر الوقت  طلوع الفجر يوم العاشر ، ولا يجب استيعاب الوقت إجماعا ، وقد دفع عليه السلام أول الليل . 
وأجمعت الأمة على إجزاء جزء من الليل ، فإن وقف نهارا دون الليل يجزئه عند  مالك  ، ويجزئه عند ( ح ) و ( ش ) وعليه دم ، لحديث  عروة  السابق ، وقياسا للنهار على الليل ، بل النهار أفضل ; لأنه يقال يوم عرفة  ، ولذلك قال عليه السلام : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة    ) فالمشهور اليوم دون الليل ؛ ولأنه عليه السلام وقف   [ ص: 260 ] نهارا وانصرف عند إقبال الليل . لنا حديث  جابر     : أنه عليه السلام لم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة   . وحديث  الأبهري  المتقدم ونقول : الليل أولى لكونه مجمعا عليه ، وإن من فاته النهار لا دم عليه ، ومن فاته الليل بطل حجه ، وعليه دم وعندهم ، وما رووه لا حجة فيه ; لأن  أبا داود  أشار إلى أن : ( ليلا أو نهارا ) من قول الراوي فلو دفع قبل الغروب ورجع قبل الفجر قال  ابن القاسم  في ( الكتاب ) : يجزئه ويستحب الهدي ، وأوجبه   ابن حنبل     ; لأنه وجب بالدفع فلا يسقط بالعود كمجاوزة الميقات . 
وجوابه : أنه كمن رجع للميقات قبل الإحرام ، ولو دفع حين الغروب أجزأه عند  ابن القاسم  ، فلو دفع قبل الغروب ولم يخرج من عرفة  حتى غربت الشمس قال  مالك     : أجزأه وعليه دم لعزمه على ترك الليل ، ومن أتى قبل الفجر وعليه صلاة إن اشتغل بها طلع الفجر ، قال  أبو محمد     : إن كان قريبا من جبال عرفة  وقف وصلى ، وإلا ابتدأ بالصلاة وإن فاته الحج ، وقال   ابن عبد الحكم     : إن كان مكيا بدأ بالصلاة أو آفاقيا بدأ بالحج . 
واختار  اللخمي  تقديم الحج مطلقا عند خوف الفوات . 
قاعدة : المضيق في الشرع مقدم على ما وسع في تأخيره ، وما وسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه بالعمر كالكفارات ، وما رتب على تاركيه القتل مقدم على ما ليس كذلك فتقدم الصلاة على الحج إجماعا ، غير أن فضل الصلاة قد عورض ههنا بالدخول في الحج وما في فواته من المشاق ، فأمكن أن يلاحظ ذلك وفي ( الجواهر ) : من أدرك الإحرام ليلة العيد صح لبقاء الوقت ; لأن الحج عرفة  ووقته باق قال  سند     : إن مر بعرفة  وعرفها أجزأه ، وإن لم يعرفها فقال  محمد     : لا يجزئه والأشهر الإجزاء ; لأن تخصيص أركان الحج بالنية ليس شرطا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					