الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الأول : في حقيقة الصيد المعصوم ، وفي ( الجواهر ) : الصيد إما بحري فيباح فلقوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) [ المائدة 99 ] وسيأتي فيه تفصيل ، وإما بري فيحرم إتلافه جميعه : ما أكل لحمه ، وما لم يوكل ، كان متأنسا أو متوحشا ، مملوكا أو مباحا ، ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه ، ويلزم الجزاء بقتله وبتعريضه للتلف ، إلا أن تعلم سلامته . إلا ما في قوله عليه السلام في الصحاح : ( خمسة من الدواب كلهن فواسق ) يقتلن في الحل والحرام : الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور .

                                                                                                                فائدة : الفسق في اللغة : الخروج ، ومنه فسقت النواة عن الثمرة أي : خرجت عنها ، وسمي العاصي فاسقا لخروجه عن طاعة الله ، وهذه الخمس سمين فواسق لخروجهن عن الحيوانات في الأذى ، قال : والمشهور : قتل الحدأة والغراب وإن لم يبديا الأذى ، وروي : المنع ، وقال ابن القاسم : إن آذت قتلت ، وإلا فلا تقتل ، وإن [ ص: 315 ] قتلت فلا شيء فيها ، وقال أشهب : إن قتلها من غير ضرر وداهما ، والمشهور حمل الكلب على المتوحش ، فيندرج فيه الأسد ونحوه ، وقيل : الإنسي المتخذ ، وفي ( الطراز ) : الحيوان المتوحش في حق المحرم ثلاثة أقسام مباح القتل وهو ما كان ضررا من كل وجه كالحية والعقرب والكلب العقور ونحوها ، ومحرم القتل - وهو ما يبلغ الضرر - كصغار أولاد السبع ، وقال ( ش ) : كل ما لا يأكل لحمه يجوز للمحرم قتله إلا ما لم يبلغ الضرر كصغار أولاد السباع ، وقال ( ش ) : كل ما يؤكل لحمه يجوز للمحرم قتله إلا ما تولد من نوعين نحو السبع والبزاة المتولد بين المعز الوحشية والأهلية ، ولا جزاء عليه فيما يجوز له قتله ، وقال ( ح ) : كل ما عدا الخمس التي في الحديث فيه الجزاء إلا الذئب ، فإنه سئل عليه السلام عما يقتل المحرم فقال : خمس ، فاقتصر عليها لنا على الفريقين : تنبيهه عليه السلام بقوله : والكلب العقور ( نبه بالعقر على صفة الأذى الموجود في السباع ، بل هو فيها أشد وفي أبي داود الكلب العقور ) والسبع العادي ، وقد دعا عليه السلام إليه على عتيبة بن أبي لهب فقال : ( اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ) فافترسه الأسد ، ولأن الكلب المعروف لا تعلق له بالإحرام منعا ولا إباحة ، ولو قتله المحرم وليس بعقور لا شيء عليه ، كما لو قتل حماره فدل ذلك على أن المراد التنبيه على صفة العقر الموجودة في غيره ، ولأن ذكر هذه الخمسة كذكره عليه السلام الأنواع الستة في حديث الربا ، والعيوب الأربعة في الضحايا فيطرد الحكم في معانيها ، وينعكس بدونها كما في ذينك الموطنين .

                                                                                                                تفريعات : الأول في ( الكتاب ) : ليس على المحرم في قتل سباع الوحش [ ص: 316 ] التي تعدو وتفترس وإن لم تبتدئ شيء ، ولا يقتل صغار أولادها التي لا تعدو ، وقاله ( ح ) خلافا ل ( ش ) ويكره له : قتل الهر الوحشي ، والثعلب والضبع ، فإن فعل ضمنها إلا أن يفتدياه ، ويكره قتل سباع الطير وغير سباعها ، وعليه الجزاء إلا أن تعدو .

                                                                                                                ويجوز صيد البحر والأنهار والبرك ، وعليه في طير الماء الجزاء ، وفي ( الطراز ) قال أشهب : عليه في صغار الأسود ونحوها الجزاء ، ولمالك في قتل الذئب روايتان ; لأنه أضر من الثعلب ، وقتله حسن وهو قول الأئمة ، وعنه في القرد والخنزير روايتان ، وتردد ابن المواز في خنزير الماء ، قال : والصواب أنه من صيد البحر ، وعند ابن حبيب في الدب الجزاء ، ومنع مالك قتل المحرم الوزغ من إباحة قتلها في الحرم ، والفرق : أن الإحرام سريع الزوال ولو لم تقتل في الحرم لكثرت ، فإن قتلها تصدق بمثل ما تصدق في شحمة الأرض ، واتفق مالك والأصحاب والأئمة على قتل الفأر ، ويلحق به ابن عرس وما يقرض الأثواب من الدواب ، ويلحق بالعقرب الزنبور والرتيلاء ويقتل صغار الفأرة والحية والعقرب ، وإن لم يؤذين بخلاف الأشبال ، والفرق من وجهين : أنهن يؤذين بخلاف الأشبال وتصدق اسم كبارها عليها ، بخلاف الكلب العقور والسبع الضاري الوارد في لفظ الحديث ، وكذلك صغار الغربان لا تقتل فإن فعل وداها عند أصبغ ، وأوجب أصبغ الجزاء في الضبع والثعلب والهر وإن عدت ، وقاله أشهب في سباع الطير ، والجمهور على قول ابن القاسم ; لأن الصيال يسقط حرمة الإنسان فأولى غيره من الحيوان .

                                                                                                                وأما صيد الماء فما اختلف في احتياجه إلى الذكاة يختلف في ديته .

                                                                                                                الثاني : في ( الكتاب ) : كره مالك ذبح المحرم الحمام الوحشي وغير الوحشي ، والحمام الرومية التي لا تطير ; لأن أصلها يطير ويصاد ، وأجاز ذبح الإوز والدجاج ; لأنها لا تطير حتى تصاد ، قال سند : قال مالك : ليس في الحمام [ ص: 317 ] المتخذ في البيوت جزاء كالدجاج ، وقال أصبغ : عليه الجزاء كالصيد إذا تأنس ، وأما حمام الأبرجة : فحكمها حكم الصيد ، قال : ولا يذبح فراخها محرم ، ولا يأكل ما ذبح له ، وكل ما صيد واستؤنس من الإوز والحجل والقط ونحوه فلا يحل لمحرم ذبحه ، وما يتناسل في البيوت وليس له نهضة الطيران من البط والإوز ونحوه فله ذبحه كالدجاج ، وما نهض للطيران لم يذبح كالحمام ، وفي ( الموازية ) : قال مالك : في الذباب يكثر حتى يطأ عليه فليطعم مسكينا أو مسكينين ، وقال بعد ذلك : لا يطعم ; لأنه عرض نفسه لإتلافه ، ويمنع من لبن الصيد كما يمنع من بيضه فإن وجد محلوبا فلا شيء عليه كلحم الصيد ، وقال ( ح ) : إن حلبه فنقص ضمن ما نقص ، وقال ( ش ) : يضمن اللبن بقيمته كالبيض ولا يضمن عندنا ; لأنه ليس من أجزاء الصيد ، ولا يكون منه صيد والأصل : براءة الذمة ، وفي ( الكتاب ) : إذا فسد وكر طائر فلا شيء فيه إلا أن يكون فيه بيض أو فراخ فعليه ما تقدم بيانه ; لتعريضهما للهلاك ، وإن طرح جنين صيد ميت وسلمت أمه فعليه عشر قيمتها فإن ماتت بعد ذلك فعليه جزاؤها أيضا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية