الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطرف الثالث : نفس العقد وفي ( الجواهر ) : ينعقد بصريح اللفظ وكنايته [ ص: 446 ] والإشارة المفهمة ، وإن رده الكافر ارتد ، ولا بد من القبول ولو بالفعل ، ولو ظن المسلم أن الكافر أراد الأمان ولم يرده لم يقتل ، ولو دخل إلى سفارة لم يفتقر إلى أمان بل القصد يؤمنه ، ولو قال الأمير : أمنت كل من قصد التجارة صح منه دون الآحاد ، وإن ظن الكافر صحته وفي له به ، بل لو ظن ما ليس بتأمين تأمينا أمن فلو أمن جاسوسا أو طليعة لم ينعقد ، ولا يشترط فيه المصلحة بل يكفي عدم المضرة ، وإذا انعقد كففنا عن النفس والأهل والمال ، وإذا أمنت المرأة من الاسترقاق صح ، ويجب في المبارزة الوفاء بالشروط فلو أثخن المسلم وقصد ترقيقه منعناه على أحد القولين ، ولو خرج جماعة لإعانة الكافر باستنجاده قتلناه معهم ، وإن كان بغير إذنه لم يعرض له ، ولو خرج جماعة لجماعة ففزع بعضهم من قربه جاز له إعانة الآخر كما فعله علي وحمزة - رضي الله عنهما - مع عبيدة بن الحارث ، ولو قال رجل من الحصن : أفتح لكم على حكم رجل صح إن كان عاقلا عدلا بصيرا بمصالح القتال ، كما اتفق لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ويصح من الفاسق ، ويتعقبه الإمام بالإمضاء أو الرد إلى المأمن ولو حكموا ذميا أو امرأة أو صبيا أو عبدا وهم عالمون به لم يجز حكمهم ، وليحكم الإمام بما يراه ; لأنهم رضوا بأقل المسلمين وهذا أعلى فلا حجة لهم .

                                                                                                                ( تفريع )

                                                                                                                في ( الكتاب ) : إذا مات عندنا حربي مستأمن وترك مالا ، أو قتل فماله وديته لورثته ببلده ، وقال غيره : يدفع إلى حكامهم ، قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إذا ظهرنا على ورثته قبل وصوله إليهم فهو فيء لذلك المشركين ، وإنما يدفع ماله لورثته إذا استؤمن على أن يرجع أو كان شأنه الرجوع ، أما لو استؤمن على الإقامة فماله للمسلمين ، وإن جهل الحال فللمسلمين ، ولو أودع المستأمن عندنا مالا ثم رجع إلى بلده فمات أو قتل في محاربتنا رد ماله لورثته ، ولو أسر ثم قتل [ ص: 447 ] فماله فيء لا يخمس ، وإذا قتل العبد المستأمن مسلما أو ذميا عمدا قتل به ، أو خطأ فديته على عاقلته متى قدر على ذلك ، وهو كالذمي في أحكامه ، قال ابن القاسم : وإذا داين ثم عاد لبلده فغنمناه وله عندنا ودائع وديون فالذي ببلد الحرب لمن غنمه ، والذي ببلد الإسلام لغرمائه ، ولولا غرماؤه لكان لمن غنمه لقوة السبي ، وقال غيره : يرد ما عندنا لأهله إن لم يكن عليه دين ، قال ابن عبدوس : إذا سرق المستأمن قطع قياسا على الذمي ، وقال أشهب : لا يقطع ولا السارق منه لضعف عقده بالتحديد عن عقد الذمة ، ولا يحد في القذف قال مالك : وإن خصى عبده لا يعتق عليه كما لو أخصاه ببلده ، قال أشهب : بخلاف الذمي ; لأنه عليه السلام أعتق على سندر عبده حين أخصاه وجذع أنفه ، وسندر يومئذ كافر .

                                                                                                                قال صاحب ( البيان ) : إذا أمن الرجل على أنه حربي فظهر أنه مرتد أو عبد لمسلم أو ذمي ، قال ابن القاسم : لا يستتاب المرتد ولا يرد العبد إلى سيده ، وقال ابن حبيب : لا أمان لهما ، وقيل : لا أمان لهما إلا إن يشترط ذلك ، قال : والثاني أظهر ; لأن الشرط مبطل لحق الله تعالى في الردة وحق السيد في الرق ، وإن ظهر أنه ولد مسلم في دار الحرب فثلاثة أقوال : الاستيتاب ، قاله ابن القاسم تغليبا للدار ، وقيل : يحكم له بحكم الأب ، وقيل : إن كان الولد مقيما معه ببلد الحرب وهو فيه على وجه الملك لا على وجه الجزية لا تراعى يده عليه ، وإن ولده في بلد الإسلام ، قال ابن القاسم : يقتل ولا يستتاب إن أبى الإسلام ; لأن ولادته ببلد الإسلام شبهة تمنع رقه ، وإذا أسلم بعض الرسل ، قال مالك : وابن القاسم يرد ، وقال ابن حبيب : لا يرد ، وإن اشترطوا الرد ، وقيل : لا يرد إلا أن يشترطوا الرد ، وفي ( الكتاب ) : إذا أسلمت الرهائن ، قال مالك : يردون ، قال ابن القاسم : كانوا [ ص: 448 ] أحرارا أو عبيدا ، وقال غيره : لا يردون ، وإن اشترطوا ; لأن رده عليه السلام أبا جندل منسوخ بقوله : ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) [ الأنفال 58 ] ونحن نخاف على المردودين .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية