[ ص: 351 ] الباب التاسع 
في دماء الحج 
وفي ( الجواهر ) : قال الأستاذ  أبو بكر     : يجب الدم في الحج في أربعين خصلة . والنظر في أنواعها ، وأحكامها ، وبقاعها وأزمانها . فهذه أربعة فصول : 
الفصل الأول : في أنواعها ، النوع الأول : ما وجب من غير تخيير  ، وفي ( الكتاب ) : كل هدي وجب على من تعدى ميقاته أو تمتع أو أو قرن ، أو أفسد حجه ، أو فاته الحج ، أو ترك الرمي أو النزول بمزدلفة  ، أو نذر مشيا فعجز عنه أو ترك من الحج ما يجبر بالدم ، إذا لم يجد هديا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة ، إذا رجع بعد ذلك ، وله أن يصوم الثلاثة ما بينه وبين يوم النحر ، فإن لم يصم قبله صام الثلاثة التي بعده ويصل السبعة بها إن شاء ; لأن معنى قوله تعالى : ( وسبعة إذا رجعتم    ) [ البقرة 196 ] أي : من منى  سواء أقام بمكة  أم لا ، وإن صام بعضها قبل يوم النحر كملها في أيام التشريق فإن أخرها عن أيام التشريق صام متى شاء ، وصلها بالسبعة أم لا ، وإنما يصوم الثلاثة في الحج المتمتع والقارن ، ومتعدي الميقات ، ومفسد الحج ، ومن فاته الحج ، وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو النزول بمزدلفة  فيصوم متى شاء ، وكذلك الوطء بعد رمي جمرة العقبة  قبل الإفاضة ; لأنه إنما يصوم إذا اعتمر بعد أيام منى  ، والماشي في نذره بعجز يصوم متى شاء   [ ص: 352 ] لأنه يقضي في غير حج فيصوم في غير حج ، وقال ( ش ) : يبتدئ المتمتع الصوم من حين الإحرام بالحج كما قلناه ، وقال ( ح )   وابن حنبل     : من حين يحرم بالعمرة قياسا على الحج ، وفي ( الجواهر ) : قيل : يجوز تقديم هدي المتعة على الحج بعد العمرة    ; لأن تطوع الحج يجزئ عن واجبه فهذا أولى ، لنا : إن حقيقة التمتع إنما يحصل بالإحرام بالحج فلو تقدم الصوم لتقدم على سببه ، ولأن الهدي لا يجزئ قبل الحج فكذلك بدله ، والفرق بين هذا وبين التكفير قبل الحنث بعد اليمين أن اليمين هو السبب والحنث شرط ، والحكم يجوز أن يترتب على سببه ، والعمرة ليست سببا بل اجتماع الإحرامين ولم يحصل ، ووافق   ابن حنبل  في صوم أيام التشريق ; لأنه مروي عن عائشة   وابن عمر  رضي الله عنهم ، خالف ( ش ) و ( ح ) لنهيه عليه السلام عن صومها ، وجوابه : أن ما ذكرناه خاص ، وما ذكروه عام فيقدم الخاص على العام ، ووافقنا ( ش )   وابن حنبل  أنه يصوم بعد عرفة  ، وقال ( ح ) : يتعين الهدي عليه حينئذ لقوله تعالى : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج    ) [ البقرة 196 ] فشرطها في الحج ، وجوابه : أن الواجب في الحج لا ينافي الواجب في غيره فإن استدل بمفهوم الزمان فهو لا يقول بالمفهوم ، ثم ينتقض بصيام الظهار فإنه مشروط بقبل المسيس ويجب بعده ، ولنا : القياس عليه وعلى صوم رمضان ، وقال   ابن حنبل     : إن أخر الدم لغير عذر  فعليه دم ، ويصوم كتأخير قضاء رمضان عن وقته ، وجوابه : أن الصوم ههنا يدل على الهدي ، فلو وجب الدم لاجتمع البدل والمبدل معه ، وهو خلاف الأصل ، قال : من ترك الميقات في عمرته  ، أو وطئ أو فعل ما يلزمه به هدي فلم يجده  فليصم ثلاثة أيام ، وسبعة بعد ذلك ، وكل من لم يصم ممن ذكرناه حتى رجع إلى بلده وله بها مال  بعث بالهدي ، ولم يجزئه الصوم ، وكذلك من أيسر قبل صيامه  ، ومن وجد من يسلفه  فلا يصم ، ويتسلف إن كان موسرا ببلده لقوله تعالى : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج    )   [ ص: 353 ]   [ البقرة 196 ] واشترط عدم الهدي كما اشترط عدم الماء في التيمم ، فكما يتسلف للماء يتسلف للهدي ، قال  سند     : إذا طرأ موجب الدم بعد الوقوف بعرفة    :  فلمالك  في ترخيصه بصوم أيام التشريق  قولان ، قياسا على التمتع بجامع وجوب الثلاثة والسبعة ، أو نظر إلى تقدم الوجوب في التمتع ، ومن شرع في صيام الثلاثة ، ثم وجد الهدي  استحب له الهدي ، وكذلك إن وجد بعده الثلاثة قبل يوم النحر كالمتيمم يجد الماء في أثناء تيممه ، وإذا وجده قبل يوم النحر فقد وجب المبدل قبل حصول المقصود من البدل وهو التحلل ، لنا : القياس على السبعة ، والفرق بينه وبين التيمم أن الصوم مقصود في نفسه وظاهر المصلحة ، والتيمم بالتراب مناف لمقصود الطهارة ، وإنما شرعه الله تعالى ضبطا لعادة التطهير ، ويصوم عشرة أيام متصلة إذا رجع إلى أهله ، وقال   ابن حنبل  ، وقالت الشافعية : يجب التفريق ; لأنه هيئة للعبادة فلم يسقط بالفوات كهيئات الصلاة ، وجوابهم : أن هذه الهيئة واجبة للوقت فتفوت بفواته كالتفريق بين الصلاتين في الأداء ، وإذا لم يجد الهدي وأخر الصوم حتى مات فلا شيء على الوارث ، فإن أراد أن يتطوع عنه فالهدي ; لأن الصيام لا تدخله النيابة ، وفي ( الجواهر ) : قال  ابن الحارث  لا بد من اتصال الثلاثة بعضها ببعض  وكذا السبعة ، والمشهور : خلافه ولو مات المتمتع قبل رمي جمرة العقبة  فلا شيء عليه أو بعدها أخرج هدي التمتع من رأس ماله ، وقال   سحنون     : لا يلزم الورثة الهدي إلا أن يشاءوا ، ولا يجمع بين بعض البدل وبعض المبدل في سائر الإبدال ، بل صنف واحد . 
النوع الثاني : ما وجب مع التخيير  وهو جزاء الصيد وفدية الأداء ، كما تقدم بسط فروعها في بابها . 
 [ ص: 354 ] النوع الثالث التطوع  ، ولا أعلم في التطوع بالهدي خلافا ، وقد بعث عليه السلام بالهدايا تطوعا مع  ناجية الأسلمي  ومع غيره ، وما زال السلف على ذلك ، وفي ( الكتاب ) : إن استحق هدي التطوع استحق فعليه بدله ويجعل ما يرجع به من ثمنه في هدي ، كما يفعل بما يرجع به من عيب ، وإن ضل هدي التطوع ثم وجده بعد أيام النحر  نحره بمكة  ، بخلاف الأضحية يجدها بعد أيام الذبح  ، والفرق تعين الهدي بالتقليد والإشعار ، والأضحية لا تتعين إلا بالذبح ، أو النذر أو التعيين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					