مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " " . ومس الفرج ببطن الكف
قال الماوردي : وهذا كما قال ومس الفرج هو القسم الخامس من أقسام ما يوجب الوضوء وبه قال في الصحابة عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وفي التابعين سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، وفي الفقهاء الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .
وقال أبو حنيفة : لا يوجب الوضوء به ، قال في الصحابة علي وابن مسعود وعمار وحذيفة وأبو الدرداء وفي التابعين الحسن البصري وفي الفقهاء الثوري إلا أن أبا حنيفة قال :
[ ص: 190 ] إذا انتشر ذكره بالمس انتقض وضوءه للانتشار " . وقال مالك : " إن مسه ناسيا أو بغير شهوة لم ينتقض وضوءه " واستدلوا برواية عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه قال : . وهذا نص ، قالوا : ولأنه مس ذكره بعضو من جسده فوجب ألا ينتقض وضوءه قياسا على مسه برجله ودليلنا ما رواه بضعة عشر صحابيا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الوضوء من مسه . وروى " قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال : يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ فقال : وهل هو إلا بضعة منك أو قال بضعة منه الشافعي ذلك عن خمسة منهم .
أحدها : رواه الشافعي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة بن الزبير يقول : دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء فقال عروة : ما علمت ذلك ، فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " . " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ
والثاني : رواه الشافعي عن عبد الله بن نافع ، عن ابن أبي ذئب ، عن عقبة ، عن [ ص: 191 ] محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . " إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ
والثالث : رواه الشافعي عن مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن رجل من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " . " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ
والرابع : رواه الشافعي ، عن عبد الله بن نافع ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي موسى ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " . " إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء
والخامس : رواه الشافعي ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عبد الواحد بن قيس ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " . " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ
[ ص: 192 ] اعترضوا على هذه الأخبار بثلاثة أسئلة : أحدها أن قالوا : وجوب الوضوء من مس الذكر مما يعم به البلوى ، وما عمت به البلوى لا يقبل فيه أخبار الآحاد حتى يكون نقله متواترا مستفيضا والجواب عنه أن هذا أصل بخلافكم فيه وليس يجب أن يكون بيان ما ( يعم ) به البلوى عاما بل يجوز أن يكون خاصا وآحادا على حسب ما يراه صاحب الشرع من المصلحة في العموم والخصوص ، على أن البيان وإن وجب أن يكون عندهم عاما فليس يلزم أن يكون نقله متواترا عاما ، ثم قد خالفوا هذا الأصل في بيان الوتر ونقض الوضوء بالقيء وغير ذلك .
والسؤال الثاني : أن قالوا : المعول من هذه الأخبار على حديث بسرة وهو ضعيف ، قال يحيى بن معين : ثلاثة أخبار لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدها : حديث بسرة في مس الذكر .
والثاني : خبر الحجامة .
والثالث : كل مسكر حرام ، قيل المحكي عن يحيى بن معين في حديث بسرة غير هذا ، قال رجاء بن المرجا الحافظ : كنت في مسجد الخيف بمنى مع أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ويحيى بن معين فاجتمعوا على صحة حديث بسرة . فإن قيل فلما رواه مروان لعروة قال له عروة : إني أشتهي أن ترسل إليها وأنا شاهد فأرسل إليها حرسيا فأتى من عندها فقال : قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ، والحرسي شرطي لا يقبل له حديث ولا يحتج عنه برواية لشهرة فسقه ، قيل : قد كان أهل الحرس في ذلك الزمان أهل عدالة وأمانة . ولولا أنه كان بهذه الحال لم يقنع " من مس فرجه فليتوضأ " عروة بخبره ، ويستظهر به على مروان ، على أنه قد روي أن عروة لقي بسرة وسألها فأخبرته ، ثم يقال لهم : ولم إذا وردت أخبار في حكم يعتمدون على أحدها بالقدح ولو اقتصر على ما سواه لأقنع .
السؤال الثالث : أن قالوا نستعملها لأجل حديث قيس بن طلق على استحباب الوضوء وعلى غسل اليدين .
والجواب عنه أنه لا يصح حمله على الاستحباب لأن الأمر به يقتضي الإيجاب ، ولا على غسل اليد لأن أحدا لم يقل به ثم كيف يجوز مع كثرة أخبارنا وانتشارها وصحة طرقها وإسنادها يعارضونها بحديث قيس بن طلق وهو ضعيف ، قال الشافعي رضي الله عنه : سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يجوز له قبول خبره وقد عارضه من وصفناه ثقة ، ورجاحته في الحديث ، ثم يكون الجواب عن حديث قيس إذا سلمنا من وجهين :
أحدهما : أنه منسوخ بتقدمه وتأخير أخبارنا لأن قيسا يروي عن أبيه قال : أتيت مسجد [ ص: 193 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرسمون مسجد المدينة ، وينقلون إليه الحجارة فقلت : " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننقل كما ينقلون " قال : " لا ولكن اخلط لهم الطين يا أخا اليمامة فأنت أعلم به " ، فجعلت أخلط الطين وينقلونه ، وقد روى وجوب الوضوء من مسه أبو هريرة ، وهو متأخر الإسلام أسلم سنة سبع ، قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها في آخر أيامه والثاني أن قوله : وأم حبيبة " لا ينفي وجوب الوضوء منه ، ويجوز أن يكون محمولا على نفي النجاسة عنه ثم الدليل من طريق القياس أنها معنى يستجلب به الإنزال فوجب أن ينقض الطهر كالتقاء الختانين ، ولأنها ملاقاة فرج لو قارنها انتشار تعلقت بها طهارة فوجب إذا فقدت الانتشار أن تتعلق بها تلك الطهارة كالغسل في التقاء الختانين ولأن ما يتعلق به الوضوء إذا قارنه انتشار تعلق به الوضوء وإن خلا عن انتشار البول ، ولأنها إحدى الطهارتين فجاز أن يتعلق بنوع من الملاقاة كالغسل ولأنه لمس ( يتعلق به ) في الغالب خروج خارج فوجب أن ينتقض الوضوء كاللمس مع الانتشار ، ولأن ما تعلق بالفرج إذا أوجب الطهارة الكبرى كان من جنسه ما يوجب الطهارة الصغرى كالمني والمذي ودم الحيض والاستحاضة . " هل هو إلا بضعة منك
فأما الجواب عن حديث قيس فقد مضى ، وأما الجواب عن قياسهم على مس غيره من أعضاء جسده فالمعنى فيه ، وفي قياسهم على مس ذكره بغير كفه أنه لمس لا يستجلب به الإنزال ، ولا يفضي في الغالب إلى نقض الطهر .