الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 218 ] باب غسل الجنابة

                                                                                                                                            قال الشافعي : يبدأ الجنب فيغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه العشر في الإناء يخلل بها أصول شعره ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على جسده حتى يعم جميع جسده وشعره ويمر يديه على ما قدر عليه من جسده . وروي نحو هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال ) : فإن ترك إمرار يديه على جسده فلا يضره وفي إفاضة النبي صلى الله عليه وسلم الماء على جلده دليل أنه إن لم يدلكه أجزأه وبقوله : " إذا وجدت الماء فأمسسه جلدك قال : وفي أمره الجنب المتيمم إذا وجد الماء اغتسل ولم يأمره بوضوء دليل على أن الوضوء ليس بفرض قال : وإن ترك الوضوء للجنابة والمضمضة والاستنشاق فقد أساء ويجزئه ويستأنف المضمضة والاستنشاق وقد فرض الله تبارك وتعالى غسل الوجه من الحدث كما فرض غسله مع سائر البدن من الجنابة فكيف يجزئه ترك المضمضة والاستنشاق من أحدهما ولا يجزئه من الآخر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما غسل الجنابة فينطلق على وجوب الغسل من شيئين : إنزال المني والتقاء الختانين ، وسمي جنبا لأنه يتجنب الصلاة وقراءة القرآن والمسجد ، أي : ليبعد منه ويعتزله حتى يغتسل ، والجنب في كلام العرب البعيد . وقد قال ابن عباس ومجاهد في تأويل قوله تعالى : والجار الجنب [ النساء : 36 ] . أي : الجار البعيد ، وقال غيرهما ، هو الجار المشرك : سمي جنبا لبعد دينه من دينك وقال أعشى قيس بن ثعلبة :


                                                                                                                                            أتيت حريثا زائرا عن جنابة فكان حريث في عطائي جامدا

                                                                                                                                            يعني بقوله عن جنابة عن بعد وغربة ألا ترى إلى قوله الآخر :

                                                                                                                                            ولم أر مثلينا خليلي جنابة     إسدا على رغم العدو وتصافيا

                                                                                                                                            وقد تقدم الدليل على وجوب الغسل من الجنابة في تفصيل ما يوجب الغسل والدليل [ ص: 219 ] عليه [ في الجملة ] قوله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا [ النساء : 43 ] . وروى خليد عن أبي الدرداء في قوله تعالى : يوم تبلى السرائر [ الطارق 9 ] . قال : الاغتسال من الجنابة .

                                                                                                                                            وروى طلحة بن أبي رافع ، عن أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة وأداء الأمانة كفارة ما بينها " فقلت : وما أداء الأمانة ؟ فقال : " غسل الجنابة ، فإن تحت كل شعرة جنابة " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية