الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : احتياط الشافعي في تقديره للقلتين

                                                                                                                                            ثم إن الشافعي لم ير قلال هجر ، ولا أهل عصره : لأنها تركت ونفدت فاحتاج إلى تقديرها بما هو معروف عندهم ومشاهد منهم فقدرها بقرب الحجاز : لأنها متماثلة مشهورة ، فروي عن ابن جريج أنه قال : قد رأيت قلال هجر ، والقلة تسع قربتين ، أو قال : قربتين وشيئا ، قال الشافعي : فالاحتياط أن تكون القلتان خمس قرب .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهذا تقليد منه لابن جريج ، والتقليد عنده لا يجوز ، قيل : ليس هذا تقليدا في حكم ، وإنما هو قبول خبر في مغيب ، وذلك جائز .

                                                                                                                                            فإن قيل : لم جعل الشيء الزائد على القربتين نصفا وزعم أنه احتياط ، وقد يجوز أن يكون الشيء منطلقا على أكثر من النصف ، قيل : الشيء هاهنا نصف في الاحتياط لثلاثة أمور :

                                                                                                                                            أحدها : أن ابن جريج شك في القدر هل هو قربتان أو قربتان وشيء : فلم يجز أن يكون الشك إلا يسيرا هو أقل من النصف ليخفى ولا يكثر فيزول الشك فيه فلما جعله نصفا ، ومقتضى الحال يوجب أن يكون أقل من النصف كان احتياطا .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشيء إذا كان مستعملا في التبعيض كان مشارا به في العرف إلى أقل البعضين فإذا كان البعض الزائد على الشيئين أقل من النصف قالوا اثنين وشيء ، وإذا كان أكثر من النصف ، قالوا ثلاثة إلا شيئا ، فلما جعل الشيء الزائد نصفا كاملا كان احتياطا .

                                                                                                                                            [ ص: 335 ] والثالث : أنه لما كانت القربة الثالثة متبعضة فبعضها من جملة القلة ، وبعضها ليس منها ، ولم يكن تكثير أحد البعضين على الآخر بأولى من عكسه ، وجب التسوية بين البعضين ، فجعل كل أحد منهما نصفا مساويا لصاحبه ، وهو القليل لا يكون للاحتياط فيه تأثير فجعل الشافعي خمس قرب احتياطا : لأن مجاوزة المقادير للاستيفاء احتياط لها أولى كما يتجاوز حد الوجه في غسله وحد العورة وإمساك شيء من الليل في طرف الصوم ، ولم يتعرض الشافعي لتحديد القرب بالأرطال ، لأنه اكتفى أهل عصره في بلده بالقرب المشهورة بينهم ، عن أن يقدر كل قربة لهم كما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالقلال المشهورة بين أظهرهم عن أن يقدر كل قلة لهم والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية