الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وينوي بالتيمم الفريضة ، وهذا صحيح ، النية في التيمم واجبة ، وقد وافق على وجوبها مالك وأبو حنيفة ، وإن خالفا في الوضوء والغسل ، وإذا كان كذلك فالتيمم مع إجماعهم على وجوب النية فيه لا يرفع الحدث ، وإنما يبيح فعل [ ص: 243 ] الصلاة فيكون موافقا للوضوء في استباحته الصلاة ، ومخالفا له في رفع الحدث ، وقال أبو حنيفة : التيمم يرفع الحدث كالوضوء استدلالا برواية أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الصعيد الطيب طهور " فجعله مطهرا ، قال : ولأنها طهارة عن حدث فوجب إذا استباح بها فعل الصلاة أن يستفاد بها رفع الحدث قياسا على الوضوء ، قال : ولأنه أحد نوعي ما يتطهر به فوجب أن يرفع الحدث كالماء ، قال : ولأنه لو لم يكن التيمم رافعا للحدث لما أثر في إبطاله طروء الحدث ، فلما بطل بالحدث الطارئ دل على أنه كان رافعا للحدث الأول .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أنه طهارة ضرورة فلم يرفع الحدث ، كطهارة المستحاضة ، ولأنه ممن يلزمه استعمال الماء عند رؤيته ، فوجب أن يكون محدثا كالمصلي مع فقد الماء والتراب معا ، ولأنه أحدث طهارة لا يسقط عنه فرض استعمال الماء إذا قدر عليه فلم يرتفع حدثه كالمتوضئ بالماء النجس ، ولأن التيمم إذا ارتفع حدثه كالمتوضئ لم يلزمه الوضوء لصلاة مستقبلة كالمتوضئ ، ولأن ما لم يرفع الحدث في الحضر لا يرفعه في السفر قياسا على الماء إذا لم يكف جميع البدن وأما الجواب عن الخبر فهو إنه منقطع : لأن في إسناده رجلا من بني عامر مجهولا فلم يكن فيه حجة ، ثم لو صح لكان قوله " طهور " محمولا على سقوط الفرض ، وأما قياسه على الوضوء فمنتقض بطهارة المستحاضة ثم المعنى في الوضوء أنه لما يلزم معه استعمال الماء عند رؤيته دل على ارتفاع الحدث به ، ولما لزم المتيمم استعمال الماء عند رؤيته دل على أن الحدث لم يرتفع ، وأما قياسه على الماء فالمعنى في [ ص: 244 ] الماء أنه مستعمل في غير الضرورة ، فكانت الطهارة به عامة في سقوط الفرض دون رفع الحدث .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله : إنه لما بطل التيمم بالحدث الطارئ دل على أنه لم يكن من قبله محدثا ، فهو أنه يستنبط منه دليل عليهم فيقال : لو أن جنبا تيمم لجنابته ثم أحدث بعد تيممه ووجد الماء لزمه أن يغتسل به ، فلو كان التيمم رافعا لحدثه لكان حكم الجنابة ساقطا ولزمه أن يتوضأ : لما طرأ من حدثه ، وفي ذلك أقوى دليل على بقاء الحدث الأول بعد تيممه ، ثم يقال إنما بطل تيممه بالحدث الطارئ وإن كان محدثا لأن التيمم تباح به الصلاة بالحدث الأول لا بالحدث الطارئ .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية