الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والدباغة لا تفتقر إلى فعل فاعل ؛ لأن ما طريقه إزالة النجاسة لا يفتقر إلى فعل ، كالسيل إذا مر بنجاسة فأزالها طهر محلها ، ولذلك لم تفتقر إزالتها إلى نية بخلاف الحدث ، فعلى هذا لو أطارت الريح جلد ميتة وألقته في المدبغة فاندبغ صار طاهرا ، فأما إن أخذ رجل جلد ميتة غيره فدبغه فقد اختلف أصحابنا : هل يكون ملكا لربه أو لدابغه ؟ على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            [ ص: 65 ] أحدها : يكون ملكا لربه دون دابغه كالخمر المنقلب خلا في يد أحدهم يكون ملكه لربه دون من صار خلا في يده .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يكون ملكا لدابغه دون ربه كالمحيي أرضا مواتا بعد إجازة غيره يكون ملكا لمن أحياها دون من أجازها .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنه كان رب الجلد قد رفع يده عنه فأخذه الدابغ فدبغه كان ملكا لدابغه دون ربه ، وإن كانت يده عليه فغصبه إياه كان ملكا لربه دون دابغه ، وإنما كان كذلك لأن جلد الميتة لا يوصف بثبوت الملك عليه ، وإنما يوصف بثبوت اليد عليه ، فإذا رفع يده زالت صفة استحقاقه .

                                                                                                                                            فإذا ثبت ما وصفنا من طهارة جلد الميتة بالدباغة ، تعلق الكلام بفصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : بيان حكمه قبل الدباغة .

                                                                                                                                            والثاني : بيان حكمه بعد الدباغة .

                                                                                                                                            فأما ما قبل الدباغة فيجوز استعماله في اليابسات دون الذائبات ويجوز هبته ، ولا يجوز بيعه ، ولا رهنه . وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه ورهنه استدلالا بأن ما أمكن تطهيره بعد نجاسته جاز بيعه كالثوب النجس .

                                                                                                                                            ودليلنا عموم قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] . لأن الأعيان النجسة لا يجوز بيعها كالعذرة .

                                                                                                                                            وأما الثوب فهو طاهر العين وإنما جاورته النجاسة فجاز بيعه لأن العذرة تتناول عينا ظاهرة وإن جاورتها نجاسة وكذلك الجلد الطاهر إذا جاورته نجاسة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية