الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت فضل الأذان بما ذكرنا ، فالإقامة فضيلة أيضا والقيام بها سنة ، روى الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين

                                                                                                                                            فإن قيل : فأيما أفضل الأذان أو الإقامة ؟ قلنا : للإنسان فيها أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يمكنه القيام بهما والفراغ لهما والجمع بينهما أولى لحوز شرف المنزلتين ، وثواب الفضيلتين

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون عاجزا عن الإمامة لقلة علمه بأحكام الصلاة وضعف قراءته ، ويكون قادرا على الأذان ، لعلو صوته ، ومعرفته بالأوقات فأولى بمثل هذا أن ينفرد بالأذان ، فهو أفضل له ، ولا يتعرض للإمامة

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون عاجزا عن الأذان لضعف قوته وقلة إبلاغه ويكون قيما بالإمامة ، لعلمه بأحكام الصلاة وصحة قراءته ، فالأفضل لهذا أن يكون إماما ولا ينتدب للأذان

                                                                                                                                            [ ص: 62 ] والحال الرابعة : أن يصلح لكل واحد منهما ، ولا يعجز عن أحدهما وليس يمكنه الجمع بينهما ، فقد اختلف أصحابنا أيهما أفضل له أن ينقطع إليه وينفرد به ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الإمامة أفضل من الأذان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تفرد بالإمامة دون الأذان ، وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده وهو لا ينفرد إلا بأفضل الأمرين وأعلى المنزلتين : لأن الإمامة أكثر عملا وأظهر مشقة ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الأذان أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن اللهم فأرشد الأئمة واغفر للمؤذنين فدل هذا الخبر على فضل الأذان على الإمامة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن منزلة الأمانة أعلى من منزلة الضمان

                                                                                                                                            والثاني : أنه دعاء للإمام بالرشد ، وذلك لخوفه من زيغه ، ودعا للمؤذن بالمغفرة وذلك لعلمه بسلامة حاله ، وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بالإمامة ففيها أجوبة :

                                                                                                                                            أحدها : أن في الأذان الشهادة برسالته واعتراف غيره بذلك أولى

                                                                                                                                            والثاني : أنه لو أذن لكان لا يحتاج أن يقول وأشهد أني رسول الله فلا يأمن أن يتبعه المؤذنون فيه

                                                                                                                                            والثالث : أنه كان متشاغلا بالرسالة ، والقيام بأمر المسلمين عن الفراغ للأذان والانقطاع إليه ، وكذلك قال عمر - رضي الله عنه - : " لولا الخلافة لأذنت "

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية