الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : أقسام المرض

                                                                                                                                            فإذا ثبت جواز التيمم في المرض مع وجود الماء فالمرض على أربعة أقسام :

                                                                                                                                            القسم الأول - أن لا يكون يستضر باستعمال الماء فيه كاليسير من الحمى ووجع الضرس أو نفور الطحال فلا يجوز له أن يتيمم في هذه الحالة ، وقال مالك وداود : يجوز أن يتيمم لعموم قوله تعالى : وإن كنتم مرضى أو على سفر [ المائدة : 6 ] لأن الله تعالى أباح التيمم في حالتين من مرض وسفر ، فلما جاز في قليل السفر وكثيره ، جاز في قليل المرض وكثيره ، وهذا خطأ : لأن الله تعالى أباح للمريض أن يتيمم للحوق المشقة والأذى وخوف التلف من استعمال الماء فإذا أمن من الخوف من استعمال الماء ارتفعت الإباحة ، وعاد إلى حكم الأصل في وجوب استعمال الماء : ولأنه واجد للماء لا يستضر من استعماله ، فلم يجز أن يتيمم كالصحيح ، فأما الجواب عن إطلاق الآية فهو إضمار الفروق فيها ، وإضمار الضرورة إنما تكون عند الاستضرار بالماء ، وأما الجواب عن السفر فهو أن التيمم يجوز في كلا الموضعين عند الضرورة إلا أن الضرورة في السفر عدم الماء ، فاستوى حكم طويل السفر وقصيره عند عدم الماء لوجود الضرورة ، والضرورة في المرض حدوث الأذى والاستضرار بالماء فافترق حكم قليله وكثيره .

                                                                                                                                            فصل : [ القسم الثاني ] : والقسم الثاني من المرض أن يخاف التلف من استعمال الماء فيه ، فيجوز له أن يتيمم سواء كان قروحا أو جراحا أو كان غير قروح ولا جراح ، وحكي عن ابن عمر وابن عباس أنه لا يجوز أن يتيمم إلا من القروح والجراح ، وأما ما سواه من شدة الضنا فلا ، وهذا غير صحيح : لعموم قوله تعالى : وإن كنتم مرضى [ المائدة : 6 ] ولأنه مريض يخاف من استعمال الماء التلف فجاز له أن يتيمم كالمجروح والمقروح ، فإذا تيمم وصلى فلا إعادة عليه إذا صح وبرأ كالعادم سواء .

                                                                                                                                            [ ص: 271 ] فصل : [ القسم الثالث ] والقسم الثالث من المرض أن يخاف من استعمال الماء فيه شدة الألم وتطاول البرء ويأمن التلف ، ففي جواز التيمم فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : نص عليه في القديم ، والبويطي يجوز له أن يتيمم وبه قال أبو حنيفة لعموم قوله تعالى : وإن كنتم مرضى [ المائدة : 6 ] ولأنه مريض يستضر باستعمال الماء فجاز له أن يتيمم كالذي يخاف التلف ، ولأن رخص المرض تستباح بلحوق المشقة لا لحوق التلف ، كالمريض يفطر ويترك القيام في الصلاة ، فكذلك التيمم ، ولأنه لما جاز للمسافر أن يتيمم إذا بذل له الماء بأكثر من ثمنه لما يقابله من الضرر في ماله ، فلأن يجوز للمريض أن يتيمم لما يلحقه من الضرر في نفسه أولى .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه هاهنا وفي الأم ليس له أن يتيمم ، ووجهه : أنه قادر على الماء لا يخاف التلف من استعماله فلم يجز أن يتيمم كالذي به صداع أو حمى ، ولأن كل معنى أن يستباح به التيمم ، فهو مشروط لخوف التلف كالعطش والمرض سواء ، فكان أصح ، وذلك أنه إذا خاف العطشان من استعمال ما معه من الماء شدة الضرر جاز أن يتيمم كما لو خاف التلف ، والأول من القولين أصح .

                                                                                                                                            فصل : [ القسم الرابع ] والقسم الرابع من المرض أن يخاف من استعمال الماء فيندر الشين والشلل ويأمن التلف وشدة الألم ، فقد اختلف أصحابنا فيه ، وكان أبو إسحاق يخرج جواز التيمم فيه على قولين كالقسم الثالث سواء ، وكان أبو العباس ، وأبو سعيد يقولان يتيمم قولا واحدا ، بخلاف ما مضى ، لأن ضرر هذا متأبد وضرر ذلك غير متأبد ، وكان أبو الفياض يقول يتيمم في الشلل ولا يتيمم في الشين : لأن في الشلل إبطالا للعضو ، وفي الشين قبحه ، فكان الشين ضررا ولم يكن الشلل ضررا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية