مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل زيت ودهن لوز وجوز وبزور لا يجوز من الجنس الواحد إلا مثلا بمثل ، فإذا اختلف الجنسان فلا بأس به متفاضلا يدا بيد " .
قال الماوردي : اعلم أن : الأدهان على أربعة أقسام
أحدها : ما كانت من أصول مأكولة وتكون بعد استخراجها دهنا مأكولة كالزيت والشيرج ، ودهن الجوز واللوز .
قال الشافعي : ودهن البطم والصنوبر والخردل والحب الأخضر ، فهذه كلها وما شاكلها مأكولة بعد استخراجها ، ومأكولة الأصل قبل استخراجها ، ففيها الربا : لأنها إن كانت معتبرة بأصلها ، فأصلها مأكولة ، وإن كانت معتبرة بأنفسها فهي مأكولة ، فلم تخل في كلا الحالين من ثبوت الربا فيها .
والقسم الثاني : ما كانت من أصول غير مأكولة وتكون بعد استخراجها دهنا غير مأكولة كدهن المحلب والألبان والكافور ، فهذه وما شاكلها غير مأكولة الأصول والأدهان جميعا ، فلا ربا فيها اعتبارا بالحالتين معا .
والقسم الثالث : ما كانت من أصول مأكولة ، لكنها لا تكون بعد استخراجها دهنا مأكولة كدهن الورد والبنفسج والخيري والياسمين فهذه في أنفسها غير مأكولة في العرف ، وإنما تستعمل طلاء ، لكنها مستخرجة من أصل مأكول ، وهو السمسم ؛ ففي ثبوت الربا فيها وجهان :
أحدهما : لا ربا فيها اعتبارا بأنفسها .
والثاني : فيها الربا اعتبارا بأصولها . وكذلك دهن السمك من أصل مأكول ، لكنه في نفسه غير مأكول .
وأما دهن البزر والقرطم فقد اختلف أصحابنا في أصولها ، هل هي مأكولة يثبت فيها الربا على وجهين :
أحدهما : لا ربا فيها فعلى هذا لا ربا في أدهانها .
والثاني : فيها الربا لأنها قد تؤكل .
فعلى هذا في ثبوت الربا في أدهانها وجهان : لأنها من أصل مأكول ، وفرع غير مأكول .
[ ص: 117 ] والقسم الرابع : ما كانت من أصول غير مأكولة ، لكن بعد استخراجها دهنا مأكولة .
كدهن الخروع وحب القرع وما شاكلها ، ففي ثبوت الربا فيها وجهان :
أحدهما : فيها الربا اعتبارا بأنفسها .
والثاني : لا ربا فيها اعتبارا بأصولها .
فصل : فإذا ثبت أن فيها الربا على ما وصفنا ، فلا فصل بين المأكول أدما أو دواء أو غير ذلك من أنواع الأكل ، كما لا فصل في غير الأدهان من المأكول قوتا أو دواء . ثم الأدهان أجناس كأصولها ، وإن كان الأدهان المأكولة أبو علي بن أبي هريرة يخرجها على قولين كاللحمان ، والألبان :
أحدهما : أنها جنس .
والثاني : أنها أجناس .
وذهب سائر أصحابنا إلى فساد هذا التخريج ، وأن الأدهان أجناس مختلفة كما أن أصولها أجناس مختلفة ، بخلاف اللحمان والألبان في أحد القولين . والفرق بينهما أن لأصول اللحمان والألبان اسما جامعا ، وهو الحيوان ، فجاز أن يكون جنسا واحدا ، وليس كذلك الأدهان : إذ ليس لأصولها اسم جامع فوجب أن تكون أجناسا .
فإذا ثبت أن الأدهان أجناس ، فالزيت جنس . قال الشافعي - رضي الله عنه - : وزيت الفجل جنس آخر : لأن الزيت المطلق مستخرج من الزيتون ، والزيتون جنس غير الفجل ، ثم الشيرج جنس آخر .
فأما دهن الورد ودهن البنفسج إذا قيل فيهما الربا فهما جنس واحد ، وكذلك دهن الياسمين والخيري ، فهذا كله مع الشيرج جنس واحد لا يختلف فيه المذهب : لأن جميعها من السمسم وإنما يختلف لاختلاف الترتيب .
فإذا كان الجنس واحدا حرم فيه التفاضل ، فإن كانا جنسين جاز فيهما التفاضل .
فعلى هذا يجوز ، ولا يجوز بيع الزيت بالشيرج متفاضلا إلا متماثلا . وكان بعض أصحابنا يمنع من بيع الشيرج بالشيرج بكل حال : لأن فيه ماء وملحا لا يمكن استخراجه إلا بهما ، وهذا يمنع من التماثل . بيع الشيرج بالشيرج
وهذا خطأ : لأن الماء والملح وإن كان لا يستخرج الشيرج إلا بهما ، فيختلفان في ثقل السمسم وهو الكسب : إذ لا يصح اختلاط الماء بالدهن ولا بقاء الماء بين أجزائه . والله أعلم .