الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وكذلك كل ثمرة من أصل يرى فيه أول النضج لا كمام عليها وللخربز نضج كنضج الرطب ، فإذا رئي ذلك فيه حل بيع خربزه ، والقثاء يؤكل صغارا طيبا ، فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ، ثم يترك حتى يتلاحق صغاره بكباره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : واعلم أن بدو الصلاح قد يختلف بحسب اختلاف الثمار ، وجملتها أنها على ثمانية أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما يكون بدو الصلاح فيه باللون ، وذلك في النخل بالاحمرار والاصفرار ، وفي الكرم بالحمرة والسواد والصفاء والبياض ، فأما الفواكه المتلونة فمنها ما يكون صلاحه بالصفرة كالمشمش ، ومنها ما يكون بالحمرة كالعناب ، ومنها ما يكون بالسواد كالإجاص ومنها ما يكون بالبياض كالتفاح .

                                                                                                                                            القسم الثاني : ما يكون بدو صلاحه بالطعم ، فمنه ما يكون بالحلوة كقصب السكر ، ومنه ما يكون بالحموضة كالرمان ، فإذا زالت عنه المرارة بالحلاوة أو الحموضة فقد بدا صلاحه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما يكون بدو صلاحه بالنضج واللين ، كالتين والبطيخ ، فإذا لانت صلابته فقد بدا صلاحه .

                                                                                                                                            [ ص: 196 ] والقسم الرابع : ما يكون بدو صلاحه بالقوة والاشتداد كالبر والشعير ، فإذا بدت قوته واشتد فقد بدا صلاحه .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : ما يكون بدو صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف ، والبقول والقصب ، فإذا تناهى طوله وامتلاؤه إلى الحد الذي يجز عليه فقد بدا صلاحه .

                                                                                                                                            والقسم السادس : ما يكون بدو صلاحه بالعظم والكبر ، كالقثاء والخيار والباذنجان .

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : والقثاء يؤكل صغارا طيبا ، يريد أنه يخالف الثمار كلها التي لا يطيب أكلها إلا بعد بدو صلاحها ، والقثاء يطيب أكله صغارا قبل بدو صلاحه ، ولا يكون استطابة أكله صلاحا له حتى يتناهى كبره وعظمه ، لأنه عند كبره ينجو من العاهة فلا وجه لإنكار محمد بن داود على الشافعي قوله إن القثاء يؤكل صغارا طيبا ، وإن ذلك إخبار عن المحسوسات لما بينا من قصد الشافعي به .

                                                                                                                                            والقسم السابع : ما يكون بدو صلاحه بانشقاق كمامه كالقطن والجوز ، فإذا انشق جوز القطن ، وسقطت القشرة العليا عن جوز الأكل فقد بدا صلاحه .

                                                                                                                                            والقسم الثامن : ما يكون بدو صلاحه بانفتاحه وانقشاره كالورد ، والنيلوفر ، فإذا انفتح القسم المنضم منه وانقشر فقد بدا صلاحه ، وورق التوت فبدو صلاحه بأن يصير كأرجل البط ، هكذا قال عطاء والنخعي .

                                                                                                                                            وجملة القول في بدو الصلاح أن تنتهي الثمرة أو بعضها إلى أدنى أحوال كمالها فتنجو من العاهة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية