مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولا يباع عسل نحل بعسل نحل إلا مصفيين من الشمع : لأنهما لو بيعا وزنا وفي أحدهما شمع وهو غير العسل بالعسل غير معلوم ، وكذلك لو بيعا كيلا " .
قال الماوردي : وهذا صحيح . لا يجوز إلا مصفيين من الشمع ، فإن كان فيهما أو في أحدهما شمع لم يجز : لأن الشمع إن كان في أحدهما كان التفاضل في العسل معلوما ، وإن كان فيهما كان التماثل فيه مجهولا . بيع العسل بالعسل
فإن قيل : فهلا جاز بيع العسل بالعسل وفيهما شمع ، كما جاز بيع التمر بالتمر وفيهما نوى .
قيل : من وجهين : الفرق بين الشمع في العسل وبين النوى في التمر
أحدهما : أن النوى في التمر بعض منه لا يتم صلاح التمر إلا به ، ولذلك منع من بيع التمر المنقى من النوى بمثله ، وليس الشمع كذلك : لأنه مباين للعسل وإن جاوره ، وتركه فيه مؤد إلى فساده ، والتمييز بينهما أبقى لهما ، ولذلك جاز بيع العسل المصفى بمثله .
والفرق الثاني : أن النوى في التمر غير مقصود ، فلم يكن لكونه فيه تأثير ، والشمع في العسل مقصود ، فكان اجتماعهما هاهنا يؤدي إلى الجهالة في المقصود منهما .
ألا ترى أن العظم في اللحم لما كان غير مقصود لم يمنع من بيع اللحم باللحم وفيهما عظم .
فإذا ثبت أن بيع العسل بالعسل لا يجوز إلا بعد تصفيتهما من الشمع ، فلا يخلو حال التصفية من أحد أمرين :
[ ص: 119 ] إما أن يكون بالشمس أو بالنار . فإذا كانت بالشمس لم يمنع من جواز بيعه ، وإن كانت بالنار فقد كان بعض أصحابنا يجعل دخول النار في تصفيته مانعا من بيع بعضه ببعض كدخول النار في الزيت : لأنها تأخذ بعض أجزاء العسل كما تأخذ بعض أجزاء الزيت .
وذهب سائر أصحابنا إلى أن دخول النار في تصفيته لا يمنع من جواز بيع بعضه ببعض ، وكذلك في السمن بخلاف الزيت المغلي : لأن النار دخلت فيه لإصلاحه وتمييزه من شمعه ، فلم تأخذ من أجزائه شيئا ، وكذلك السمن ، وإنما تأخذ النار فيما تدخل فيه لانعقاده واجتماع أجزائه ، حتى لو أن العسل المصفى أغلي بالنار لم يجز بيع بعضه ببعض : لأن النار إذا لم تميزه من غيره أذهبت بعض أجزائه .
فصل : فأما ، لم يجز بيع بعضه ببعض ، وإن لم يكن فيهما شيء من ذلك نظر في دخول النار فيهما . السكر والفانيذ فإن ألقي فيهما ماء أو لبن أو جعل فيهما دقيق أو غيره
فإن كانت قد دخلت لتصفيتهما وتمييزهما من غيرهما جاز بعضهما ببعض ، وإن دخلت لانعقادهما واجتماع أجزائهما لم يجز ، وكذلك دبس التمر ورب الفواكه .