مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وكل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو كمام وكانت إذا صارت إلى ما يكنها أخرجوها من قشرها وكمامها بلا فساد عليها إذا ادخروها ، فالذي اختار فيها أن لا يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعة بالأرض للحائل ، وقياس ذلك على شراء لحم شاة مذبوحة عليها جلدها للحائل دون لحمها " .
قال الماوردي : اعلم أن الثمار كلها ضربان :
ضرب كالتفاح والمشمش والخوخ والكمثرى ، فبيعه إذا بدا صلاحه جائز قائما في شجره وبعد اجتنابه . يكون بارزا في شجرة من غير حائل يمنع من مشاهدته
[ ص: 198 ] وضرب وهو على ضربين : يكون مستورا بقشر وكمام يمنع من مشاهدته
أحدهما : أن يكون مستورا بقشرة واحدة .
والثاني : أن يكون مستورا بقشرتين .
فأما ما كان مستورا بقشرة واحدة فيتنوع نوعين :
أحدهما : نوع لا ينحفظ إلا بقشرة ، فإذا خرج منه ذهبت رطوبته وتغير طعمه وأسرع فساده كالرمان والباذنجان ، فبيع هذا في قشوره جائز : لما فيه من كمال منفعته ودوام مصلحته .
ونوع ينحفظ بغير قشره كالقطن والسمسم والعدس ، فلا يجوز بيعه في قشره : لأنه حائل ليس من مصلحته ، كما لو كان مستورا بثوب فإذا أخرجوه من قشره جاز بيعه .
وأما ما كان عليه قشرتان فيتنوع أيضا إلى نوعين :
- نوع لا يبقى في رطبه بقشرتيه نفع ولا يؤكل معهما ، كالفستق والبندق والجوز ، فلا يجوز بيعه في قشرتيه يابسا ولا رطبا ، فإذا زالت عنه القشرة العليا ، جاز بيعه بالقشرة السفلى التي يدخر بها : لأنه ينحفظ بها .
- ونوع يبقى في رطبه بقشرتيه ويؤكل معهما عرفا ، كالباقلى واللوز الرطب ، فإذا يبس لم يجز بيعه في قشرتيه ، فقد اختلفت أصحابنا في جواز بيعه فيهما ، فذهب البصريون من أصحابنا إلى جواز بيعه في قشرتيه رطبا اعتبارا بكمال نفعه واستطابة أكله ، وهو أيضا قول أبي سعيد الإصطخري .
وذهب البغداديون إلى المنع من بيعه في قشرتيه رطبا ، كما يمنع منه إذا كان يابسا ، فهذا شرح مذهبنا فيما كان من الثمار مستورا بقشرة أو كمام .
وقال أبو حنيفة : كل قشر أو كمام كان ساترا للثمرة جاز بيعها معه بكل حال ، سواء كان فيه مصلحة أم لا ، تعويلا على أنه من أصله الخلقة فجرى مجرى أجل الثمرة . وتعليقا بأنه لما جاز بيعه بإحدى قشرتيه ، وهي مانعة من مشاهدته ، جاز بيعه في قشرتيه : إذ ليس فيهما أكثر من المنع من مشاهدته : لأن ما كانت رؤيته شرطا لم يقع الفرق فيه بين أن يكون مستورا بحائل أو حائلين في بطلان العقد عليه ، كالعروض المبيعة ، وما لم تكن رؤيته شرطا لم يقع الفرق فيه بين أن يكون مستورا بحائل أو حائلين في صحة العقد عليه كالمنكوحة .
ودليلنا : نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ، وفي بيعه مستورا بقشرة ليست من مصلحته غرر ، لأنه يمنع من معرفة جيده ورديئه ، ولأن ما منع من مشاهدته وليس من مصلحته فلا فرق فيه بين أن يكون من أصل خلقته أو من غير خلقته في بطلان البيع به ، كلحم الشاة المذبوحة في جلدها والحنطة في تبنها والفضة والذهب في تراب معدنها ، فلما كانت هذه كلها بيوعا فاسدة : لأنها مستورة بما يمنع من مشاهدتها ، وإن كانت من خلقة أصلها وجب أن يكون حكم الثمار مثلها .
[ ص: 199 ] وقد يتحرز من اعتلال هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنه مستور بما ليس من مصلحته ، فوجب أن مبطلا لبيعه كما لو كان مستورا بثوب .
والثاني : أنه مبيع يبطل بما يستره من غير الخلقة فوجب أن يبطل بستر ما لا مصلحة وإن كان من أصل الخلقة كاللحم .
وأما الجواب عن قوله بأن القشر من أجزائه ففاسد بالجلد ، وهو من أجزاء اللحم ، ويمنع من جواز البيع : لأن المعتبر برؤيته الأجزاء المقصودة دون ما ليس بمقصود .
وأما الجواب عن تعليقه بأنه مستور بإحدى قشرتيه فجاز أن يكون مستورا بالقشرة الأخرى ، وهو أن إحدى القشرتين من مصلحته ، وفي رؤيتهما تنبيه على جودته ورداءته ، ولا يقتضي ذلك جواز ستره بحائل من ثوب ، فكذا بالقشرة العليا التي هي بهذا الحكم .