الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين انتقل الكلام إلى التفريع عليهما ، فنقول : إذا قلنا إن تفريق الصفقة لا يجوز لم يخل حال الصفقة التي جمعت الحلال والحرام من أحد أمرين : إما أن تكون من عقود البياعات التي يلزم فيها الأثمان ، أو تكون من غير عقود البياعات .

                                                                                                                                            فإن كانت من غير البياعات كالهبات والرهون والنكاح وهو أن ينكح أجنبية وأختا ، أو يهب عبدا وحرا ، أو يرهن غصبا وملكا ، فيبطل نكاح الأخت ، وهبة الحر ، ورهن الغصب .

                                                                                                                                            وإن عللنا لبطلان تفريق الصفقة بأن اللفظة واحدة قد جمعت حراما وحلالا ، فغلب حكم التحريم بطل نكاح الأجنبية لبطلان نكاح الأخت ، وهبة العبد لبطلان هبة الحر ، ورهن الملك لبطلان رهن الغصب .

                                                                                                                                            وإن عللنا لبطلان تفريق الصفقة بأن الثمن يصير مجهولا صح نكاح الأجنبية ، وهبة العبد ، ورهن الملك : لأنها عقود لا تتضمن أثمانا تبطل بجهالتها .

                                                                                                                                            وإن كانت الصفقة من عقود البياعات لم يخل حال ما جمعته الصفقة من الحلال والحرام من أحد أمرين : أن تكون مما يتقسط الثمن على قيمته ، أو على أجزائه ، فإن كان مما يتقسط الثمن على أجزائه مثل قفيزين من حنطة : أحدهما مغصوب والآخر مملوك ، أو عبد نصفه حر ونصفه رقيق ، فإن عللنا لبطلان الصفقة بأن اللفظة جمعت حراما وحلالا بطلت الصفقة كلها هاهنا لوجود هذه العلة . وإن عللنا بأن الثمن يصير مجهولا صح البيع هاهنا في الحلال وإن بطل في الحرام : لأن ما يتقسط الثمن على أجزائه قد أمن فيه جهالة ثمنه : لأنه إذا ابتاع قفيزين بدينارين فمعلوم أن النصف دينار . وإذا ابتاع عبدا بمائة فمعلوم أن نصفه بخمسين ، وإن كان مما يتقسط الثمن على قيمته كحر وعبد ، أو ثوب مغصوب ومملوك ، أو أم ولد وأمة ، أو وقف وملك أو شاة وخنزير ، أو خل وخمر فالصفقة فيهما باطلة على العلتين معا لأننا إن عللنا بأن اللفظة جمعت حراما وحلالا فهي موجودة في هذا الموضع . وإن عللنا بأن الثمن يصير مجهولا فهي موجودة أيضا وهذا بيان الحكم بأن تفريق الصفقة لا يجوز وما يتفرع عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية