مسألة : ( قال المزني ) قلت أنا : والذي اختار الشافعي أن لا من ثياب ، ولا غيرها ولو كان درهما حتى يصفه بوزنه وسكته ، وبأنه وضح أو أسود ، كما يصف ما أسلم فيه ( قال يسلف جزافا المزني ) قلت أنا : فقد أجاز في موضع آخر أن يدفع سلعته غير مكيلة ولا موزونة في سلم ( قال المزني ) وهذا أشبه بأصله " .
قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا كان الثمن في السلم مشاهدا ، فهل يلزم صفته جنسا وقدرا على قولين :
أحدهما : أن من صفة الثمن ، كما أن صحته صفة المثمن : ولأن عقد السلم غير منبرم : لأنه متردد بين وجود السلم فيستحق المطالبة به ، وبين عدمه فيستحق المطالبة بثمنه ، وما استحق الرجوع ببدله لم تغن مشاهدته عن صفته كالقرض ومال القراض لما استحق الرجوع ببدله ، افتقر إلى صفة جنسه وقدره ، ولم تغن المشاهدة عن صفته . شرط صحة السلم
والقول الثاني : وهو أصح واختاره المزني ، أن مشاهدة الثمن في السلم تغني عن صفته .
لقوله صلى الله عليه وسلم : فلو كان الثمن يحتاج إلى مثل هذه الصفة لبينها لهم مع حاجتهم إليها كما بين صفة السلم لحاجتهم إليها : ولأن بيوع الأعيان قد يكون الثمن فيها معينا تارة فلا يفتقر إلى الصفة ، وفي الذمة تارة فيفتقر إلى الصفة ، كذلك السلم لما تعين فيه الثمن لم يفتقر إلى الصفة ولما لم يتعين فيه الثمن افتقر إلى الصفة فهذا توجيه القولين . " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، وأجل معلوم "
وقال أبو حنيفة : إن كان الثمن مكيلا أو موزونا افتقر إلى الصفة ، وإن كان غير مكيل ولا موزون كالثوب والعبد لم يفتقر إلى الصفة .
ولو قلب هذا على أبي حنيفة لكان أولى : لأن الرجوع ببدل ماله مثل أسهل من الرجوع بقيمة ما ليس له مثل ، فاقتضى أن تكون صفة ما ليس له مثل مستحقه ليعلم بها القيمة ، وصفة ماله مثل غير مستحقه ؛ لأنه لا يفتقر إلى القيمة ، فلما بطل هذا بطل ما قاله ، وليس إلا واحد من القولين إما أن يستحق الصفة في كل الثمن أو لا يستحق في كل الثمن .
[ ص: 398 ] فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من توجيه القولين فلا يخلو حال الثمن في السلم من أربعة أضرب :
أحدها : أن فهذا جائز على القولين معا لانتفاء الجهالة عنه بمشاهدته وانتفاء الغرر عنه بصفته . يكون مشاهدا موصوفا ،
والضرب الثاني : أن يكون غير مشاهد ولا موصوف ، فهذا باطل على القولين معا للجهالة به .
والضرب الثالث : أن يكون موصوفا غير مشاهد ، وهو أن يقول قد أسلمت إليك عشرة دنانير يصفها في عشرة أثواب يصفها ، ثم يتقابضا الدنانير في المجلس على الصفة المشروطة .
فذهب أبو العباس بن رجاء البصري من أصحابنا إلى أنه سلم باطل : لأنه يصير كلا البدلين موصوفا ، وذلك غير جائز ، ألا ترى أن بيوع الأعيان لما كان أحد البدلين فيه موصوفا وهو الثمن لم يجز أن يكون البدل الآخر موصوفا وهو المثمن .
وقال جمهور أصحابنا البغداديين : إن السلم جائز : لأن ما كان موصوفا وأمكن استيفاؤه على صفته استغني عن مشاهدته كالثمن في بيوع الأعيان ، وهذا الاختلاف ينبني على اختلاف قوليه في بيع العين الغائبة على خيار الرؤية .
والضرب الرابع : أن يكون الثمن مشاهدا غير موصوف ، وهو أن يقول : قد أسلمت إليك هذه الدنانير التي قد شاهدتها في عشرة أثواب من حالها وصفتها ، فهذا على القولين اللذين ذكرناهما :
أحدهما : أنه باطل إذا قيل : إن صفة الثمن شرط .
والثاني : أنه جائز إذا قيل إن صفة الثمن ليست بشرط .
ثم يتفرع على هذين القولين ثلاث مسائل : إحداها : فيكون جواز السلم إذا كان هذا ثمنا على قولين : أن يكون في السلم مما لا يجوز فيه السلم ولا ينضبط بالصفة كاللؤلؤ والجوهر ،
أحدهما : يجوز إذا قلنا إن صفة الثمن المشاهد شرط : لأن صفته مقدرة .
والمسألة الثانية : كما أسلم عشرة دنانير في كر حنطة وكر شعير ، أو في خمسة أثواب قطن وخمسة أثواب كتان فيكون السلم على قولين : أن يسلم شيئا واحدا في جنسين مختلفين
أحدهما : لا يصح حتى يذكر قسط كل جنس من الثمن على القول الذي يوجب فيه الوصف الثمن .
والقول الثاني : يصح السلم وإن لم يذكر قسط كل جنس من الثمن على القول الذي [ ص: 399 ] لا يوجب فيه وصف الثمن ، فأما إن استلم مائة دينار في عشرة أكرار حنطة لم يلزمه أن يذكر قسط كل كر من الثمن قولا واحدا : لأن الجنس واحد والثمن على أجزائه متقسط .
والمسألة الثالثة : كأنه أسلم في كرين من حنطة : أن يسلم ثمنا واحدا من جنس واحد إلى أجلين مختلفين
أحدهما : إلى أجل شهر ، والآخر إلى أجل شهرين ، أو أحدهما حال والآخر مؤجل ، فيكون السلم فيه على قولين :
أحدهما : باطل على القول الذي يوجب فيه وصف الثمن حتى يميز ثمن الحال من ثمن المؤجل : لأن ثمنهما مختلف فلا يصير معلوما القدر إلا بالوصف .
والقول الثاني : إن السلم جائز على القول الذي لا يوجب فيه وصف الثمن .
ولكن لو أسلم في كرين من حنطة على أن يأخذ بأحدهما رهنا وضمينا جاز على القولين معا ، وإن لم يذكر قسط ما يأخذ فيه الرهن من غيره : لأنها وثيقة لا تتعلق بالثمن .