الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : مقدار القلتين

                                                                                                                                            وروى الشافعي رضي الله عنه عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يحضر الشافعي ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا وقال في الحديث أو قربتين بقلال هجر " وقال ابن جريج : وقد رأيت قلال هجر ، فالقلة تسع قربتين وشيئا ، قال الشافعي : والاحتياط أن تكون القلتان خمس قرب ، قال وقرب الحجاز كبار " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال قد مضى الكلام في أن القلتين حد لما ينجس من الماء ، ولا ينجس ، فلم يكن بد من تحديد القلتين ، ومعرفة قدرهما ليصير الحد بها معلوما ، وإذا كان كذلك فالقلتان : هما من قلال هجر لثلاثة أشياء :

                                                                                                                                            أحدها : أن الشافعي روى عن ابن جريج بإسناد لم يحضر الشافعي ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بقلال هجر " فإن قيل فهذا مرسل ، والمراسيل عنده ليست بحجة ، قيل : هو مسند عن الشافعي وإن نسي إسناده ومرسل عند غيره ، فيلزم الشافعي العمل به لإسناده ، وإن لم يلزم به لإرساله .

                                                                                                                                            والثاني : أن قلال هجر هي أكبر قلال بالمدينة ، وما جعل معدود المقادير حدا لم [ ص: 334 ] يتناول إلا أكثرها : لأنه أقل في العدد ، وأقرب إلى العلم ، ألا ترى أنه قدر نصاب الزكاة خمسة أوسق : لأن الوسق أكبر مقدار لهم ، ولم يقدره بالمد ، ولا بالصاع .

                                                                                                                                            والثالث : أن قلال هجر متماثلة لا تختلف ، وغيرها من القلال قد تختلف بالصغر والكبر ، وما يختلف لا يجوز أن يجعل حدا : لأنه لا يفيد العلم بالمحدود ، والدليل على أن قلال هجر متماثلة ما روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصف سدرة المنتهى " رأيت أوراقها كأذان الفيلة ونبقها كقلال هجر " فلو كانت قلال هجر مختلفة المقدار لما علموا بهذا التشبيه قدر نبقها ، ولكان هذا القول لغوا فإذا ثبت ما ذكرناه من النص والاستدلال أنها بقلال هجر فليست مجلوبة من هجر البحرين ، وإنما هي معمولة بالمدينة واختلفوا في سبب نسبتها إلى هجر ، فقال بعضهم : لأنها تعمل بقرية من قرى المدينة ، تسمى هجر ، وقال آخرون : بل سميت بذلك : لأنها عملت على مثال قلال هجر ، كما يقال : ثوب مروي وإن عمل بالعراق : لأنه على مثال ما يعمل بمرو .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية