فصل : إذا كان في الماء عين نجسة
وإن كانت النجاسة متجسدة كالأعيان النجسة من ميتة أو عظم خنزير ، فالأولى أن لا يأخذ في استعمال الماء إلا بعد إخراج الميتة منه ، وإزالة العين النجسة عنه ، فإن فعل جاز أن يستعمل الماء كله باتفاق جميع أصحابنا شيئا بعد شيء ، حتى يستنفد جميعه ، ولا يلزمه استيفاء شيء منه ، فإن لم تزل النجاسة وكانت على حالها في الماء لم يجز أن يستعمل جميع الماء : لأنه إذا انتهى إلى حد نقص من القلتين صار نجسا وإنما يجوز أن يستعمل منه ما كان زائدا على القلتين ، ثم اختلف أصحابنا في صفة استعماله من هذا الماء على وجهين :
[ ص: 337 ] أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجوز أن يستعمل من هذا الماء إلا من مكان يكون بينه وبين النجاسة القائمة فيه قلتان فصاعدا وإن استعمل من مكان يكون بينهما أقل لم يجز اعتبارا بأن ما قارب النجاسة كان أخص بحكمها .
والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج وأبي سعيد الإصطخري وجمهور أصحابنا أنه يجوز أن يستعمل الماء من أي موضع شاء ولو من أقربه إلى النجاسة ، وألصقه بها : لأن الماء الواحد لا يتبعض حكمه ، وإنما يجري عليه حكم واحد في النجاسة ، أو الطهارة فعلى هذا يستعمل منه إلى أن ينتهي الباقي إلى حد القلتين ، فإن أراد أن يستعمل من الباقي بيده لم يجزه ، لأن ما يغترفه بيده منه لا يوجب تنجيس باقيه فينجس من يده ما لاقى الباقي من الماء بعد اغترافه فأما إذا اغترف منه بدلو وإناء فعلى مذهب أبي إسحاق المروزي أن كلا الماءين نجس ، ما اغترفه وما أبقاه ، لأنه اغترف من موضع بينه وبين النجاسة أقل من قلتين ، وعلى مذهب أبي العباس بن سريج يعتبر حال النجاسة ، فإن بقيت في الماء ، ولم تخرج في الدلو الذي اغترفه فما اغترفه من ماء الدلو طاهر ، وظاهر الدلو مع الماء الباقي نجس ، فإن خرجت النجاسة في الدلو الذي اغترفه فما في الدلو نجس ، وظاهر الدلو مع الماء الباقي طاهر ، فإن نقطت من الدلو نقطة ماء فوقعت في الباقي من الماء ، فإن نقطت من ظاهره كان الباقي من الماء على طهارته : لأن ظاهر الدلو طاهر وإن نقطت من باطنه صار الباقي من الماء نجسا : لأن ما في داخل الدلو من الماء نجس فلو شك هل كانت النقطة من ظاهره أو باطنه فالماء الباقي على أصل طهارته ، لأنه طاهر شك في وقوع النجاسة فيه ، فهذا حكم الماء الكثير إذا لم يتغير بوقوع النجاسة فيه .