الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويجزيه غسله لها إذا كان بعد الفجر " .

                                                                                                                                            [ ص: 374 ] قال الماوردي : وهذا كما قال وجملته أن للمغتسل في يوم الجمعة ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يغتسل لها بعد الزوال وقبل الصلاة فلا اختلاف بين الفقهاء أن غسله لها مجزئ .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يغتسل لها قبل الزوال وبعد الفجر فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أن غسله مجزئ لها ، وقال مالك : لا يجزئه ؟ استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم : " من راح إلى الجمعة فليغتسل " واسم الرواح إنما ينطلق على ما بعد الزوال قال : ولأن مشروعات الجمعة لا يجوز فعلها قبل وقت الجمعة ، كالأذان وكالغسل قبل طلوع الفجر .

                                                                                                                                            ودليلنا رواية أبي الأشعث عن أواس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها " فجعل الغسل في البكور أفضل ، وروى أبو صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة " ولأن هيئات الجمعة يجوز فعلها في يوم الجمعة قبل وقت الجمعة كالطيب واللباس ، ولأن في المنع من الغسل لها إلا بعد دخول وقتها مشقة لاحقة وذريعة إلى الفوات : لأن صلاة الجمعة تعجل في أول وقتها فلا تنفك من فوات الغسل أو الصلاة .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله " من راح إلى الجمعة فليغتسل " فهو أن الرواح الانصراف إلى الشيء قبل الزوال وبعده ألا ترى قوله ومن راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، وقال عمر بن أبي ربيعة :


                                                                                                                                            أمن آل نعم أنت غاد مبكر غداة غد أم رائح فمهجر

                                                                                                                                            والتهجير قبل الزوال وجعله بعد الزوال ، وجعله بعد الرواح وأما استدلاله بالأذان ففاسد لما ذكرنا من الطيب واللباس ، على أن الأذان من مشروعات الصلاة ، ولم يجز قبل دخول وقت الصلاة ، وهذا من مسنونات اليوم فجاز قبل دخول وقت الصلاة .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يغتسل لها قبل الفجر فلا يجزئه ، وقال الأوزاعي يجزئه : لأن ليلة الجمعة تبع ليومها ، وقياسا على غسل العيد لما جاز قبل الفجر جاز بعد الفجر .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " فأضافه إلى اليوم فلم يجز تقديمه عليه ، ولأنه إيقاع الغسل قبل يوم الجمعة يمنعه لإجزائه للجمعة كالغسل في يوم الخميس ، فأما قوله إن ليلة الجمعة تبع ليومه فغير مسلم لاختلاف أحكامها ، وأما قياسه على غسل يوم العيد فقد اختلف أصحابنا في جوازه قبل الفجر على وجهين : [ ص: 375 ] أحدهما : لا يجوز فسقط السؤال .

                                                                                                                                            والثاني : يجوز ، فعلى هذا الفرق بينه وبين الجمعة ضيق وقت الغسل في العيد بعد الفجر لتقديم الصلاة لها في أول اليوم فدعت الضرورة إلى التوسعة في تقديم الغسل والطيب قبل الفجر وهاهنا بخلافه والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية