فصل : ثم إن بيت المقدس بعد هجرته إلى المدينة ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، ثم كره استقبالها وأحب استقبال النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الكعبة ، واختلفوا في سبب كراهيته لها ، فقال مجاهد : إنما كرهها ليخالف اليهود فيها ، ولا يوافقهم عليها ، لأنهم قالوا : يتبع قبلتنا ، ويخالف ديننا ، وكانوا يقولون : إن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما دروا أين قبلتهم حتى هديناهم
وقال ابن عباس : إنما كرهها ، لأنه أحب الكعبة قبلة أبيه إبراهيم ، عليه السلام ، وكره العدول عنها ، فسأل الله تعالى أن يحول قبلته إلى الكعبة فأنزل الله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها [ البقرة : 144 ] ، يعني : الكعبة المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره فول وجهك شطر [ البقرة : 144 ] ، أي : نحوه وجهته ، وعنى بالمسجد الحرام الكعبة لقوله تعالى : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [ المائدة : 97 ] ، فنسخ الله بهذه الآية استقبال بيت المقدس ، وفرض استقبال الكعبة ، واختلفوا في زمان النسخ ، فقال قوم : كان ذلك في رجب قبل بدر بشهرين ، وهذا قول من روى أنه صلى الله عليه وسلم بيت المقدس بعد الهجرة بستة عشر شهرا ، وقال آخرون : بل كان في شعبان وهذا قول من روى أنه صلى الله عليه وسلم استقبل استقبل بيت المقدس بعد الهجرة بسبعة عشر [ ص: 69 ] شهرا ] قال أنس بن مالك : وكان ذلك في صلاة الظهر ، وكان قد بيت المقدس فانصرف إلى الكعبة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين منها نحو
قال الواقدي : وكان ذلك " في يوم الثلاثاء النصف من شعبان في السنة الثانية من الهجرة
ابن عباس : أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا - والله أعلم - بيان القبلة والقيام الأول ، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة والمسلمون معه وتغيرت أمور الناس حتى ارتد من المسلمين قوم ، ونافق قوم ، وقالت اليهود : إن محمدا قد اشتاق إلى بلده ، وقالت قريش : إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد علم أنا على هدى وسيتابعنا ، ولذلك قال الله تعالى : إلا لنعلم من يتبع الرسول [ البقرة : 143 ] يعني : في استقبال الكعبة ممن ينقلب على عقبيه [ البقرة : 143 ] ، بالردة ، أو النفاق وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله [ البقرة : 143 ] ، يعني : بالكعبة ، والتولية عن بيت المقدس إلى الكعبة ، وقال قال ابن عباس : ولما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم أتى رفاعة بن قيس ، وكعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق ، وهم زعماء اليهود فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ، عليه السلام ، ودينه ، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك . وإنما يريدون فتنته عن دينه ، فأنزل الله تعالى : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها [ البقرة : 142 ] ، ثم قال المسلمون : يا رسول الله ، كيف بمن مات من إخواننا استقبال الكعبة . فأنزل الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم [ البقرة : 143 ] ، يعني : صلاتكم إلى بيت المقدس : إن الله بالناس لرءوف رحيم [ البقرة : 143 ] ، يعني : قوله : أنه لا يحبط لهم عملا ، ولا يضيع لهم أجرا ، وروي عن ابن عباس : إن أول من صلى إلى الكعبة ، وأوصى بثلث ماله وأمر أن يوجه إلى الكعبة البراء بن معرور ، وابنه بشر بن البراء الذي أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة فمات