مسألة : قال  الشافعي      : "  ومن اجتهد فصلى إلى الشرق ثم رأى القبلة إلى الغرب   استأنف لأن عليه أن يرجع من خطأ جهتها إلى يقين صواب جهتها "  
قال  الماوردي      : وصورتها : في رجل اجتهد في القبلة فأداه اجتهاده إلى أنها في الشرق فاستقبلها وصلى إليها ثم بان له الخطأ في جهته ، ولم يتعين له صواب القبلة في غيرها فالحكم في هذه الأحوال واحد ، ولا يخلو حاله من أحد أمرين ، إما أن يبين له الخطأ من طريق الاجتهاد ، أو من طريق اليقين ، فإن بان له الخطأ ، من طريق الاجتهاد فلا إعادة عليه ، لأن الاجتهاد لا ينقض حكما نفذ باجتهاد ، وإن بان له الخطأ من طريق اليقين ففي وجوب الإعادة قولان :  
أحدهما : قاله في القديم وفي كتاب " الصيام " من الجديد : أنه لا إعادة عليه ، وبه قال  مالك   وأبو حنيفة   
والقول الثاني : قاله في كتاب " الصلاة " من الجديد : أن الإعادة عليه واجبة  
ووجه القول الأول في سقوط الإعادة  
ما روى  عاصم بن عبيد الله   عن  عبد الله بن عامر بن ربيعة   ، عن أبيه قال :  كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فنزلنا منزلا ، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه ، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا لغير القبلة فقلنا : يا رسول الله ، لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة . فأنزل الله تعالى :  ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله     [ ص: 81 ]    [ البقرة : 115 ] ، ولأن كل جهة صح صلاة المسايف إليها صح صلاة المجتهد إليها كالقبلة ، ولأن كل صلاة صحت إلى القبلة جاز أن تصح بالاجتهاد إلى غير القبلة كالمسايف ، ولأنه لو صلى باجتهاده إلى جهتين مختلفتين فاليقين موجود في حصول الخطأ في إحدى الصلاتين ، فلو لزم القضاء بيقين الخطأ للزمه إعادة الصلاتين ، لأن من علم أن عليه إحدى صلاتين لا يعرفها لزمه إعادة الصلاتين ، فلما أجمعوا على سقوط القضاء في هاتين الصلاتين دل على سقوط القضاء مع يقين الخطأ  
ووجه القول الثاني : في وجوب الإعادة قوله تعالى :  وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره      [ البقرة : 144 ] ، فأمر تعالى بالتوجه إليه فمن توجه إلى غيره فالأمر باق عليه ، ولأن ما لا يسقط بالنسيان من شروط الصلاة لا يسقط بالخطأ ، كالطهارة ، والوفق ولا تعيين الخطأ في الصلاة يوجب القضاء ،  كأهل  مكة ،    ولأنه تعين له يقين الخطأ فيما يأمن من مثله في القضاء فوجب أن تلزمه الإعادة ، كالحاكم إذا خالف نصا باجتهاده  
وأما الجواب عن الخبر ما ذكرناه من الاختلاف في تأويل الآية فهو : أنه يحمل على أحد أمرين ، إما على صلاة النفل دون الفرض ، أو على خطأ العين دون الجهة  
وأما قياسهم على مستقبل القبلة فمنتقض بالمكي ، ثم المعنى فيه صواب الجهة  
وأما قياسهم على المسايف : فالمعنى فيه : إن علم المسايف بعدوله عن القبلة لا يبطل صلاته ، وعلم المجتهد بالعدول عنها لا يبطل صلاته ، وأما  المصلي إلى جهتين   فإنما لم تجب عليه الإعادة : لأنه لم يتعين له الخطأ في إحدى الجهتين كالحاكم فإذا اختلف اجتهاده في الحادثة فحكم فيها بحكمين مختلفين لم ينقض واحد منهما ، لأن الخطأ لم يتيقن في أحدهما ، ولو خالف نصا نقض  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					