فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من وجوب الفاتحة وما يتعلق بها مع الأحكام فعليه أن يقرأ بها في كل ركعة فإن تركها في واحدة من ركعات صلاته بطلت
وقال داود : الواجب عليه أن يقرأ في ركعة واحدة ، ولا يجب عليه في غيرها
وقال أبو حنيفة : عليه أن يقرأ في ركعتين لا غير
[ ص: 110 ] وقال مالك : عليه أن يقرأ في أكثر الصلاة فإن كان ظهرا قرأ في ثلاث ركعات ، وإن كانت مغربا قرأ في ركعتين ، وإن كانت صبحا قرأ في جميعها ، واستدلوا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في بعض الصلاة ويمسك في بعضها فقيل له : فلعله كان يقرأ في نفسه . فقال : أيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو حنيفة : ولأن الجهر لما كان مختصا بركعتين اقتضى أن تكون القراءة مختصة بركعتين قالوا : ولأن أذكار الصلاة الواجبة لا تكون في كل ركعة كالإحرام والسلام ودليلنا رواية الشافعي عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت أبا هريرة يقول في كل ركعة قراءة فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفى منا أخفينا منكم ، كل فهي خداج عندنا . فقال رجل أرأيت إن قرأت بها وحدها يجزي عني . فقال : إن انتهيت إليها أجزأتك ، وإن زدت عليها فهو حسن " صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن
وروى رفاعة بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصف للرجل الركعة الأولى ، وأمره بقراءة فاتحة الكتاب فيها قال : ثم اصنع ذلك في كل ركعة
وروى عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه في كل ركعة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب في كل ركعة وكذلك في العصر يقرأ في الظهر في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ولأن كل ذكر شرع في الركعات فإنه يثبت فيهما على سواء كالتسبيح ، وأما ما تكرر من أركان الصلاة في كل ركعة يكون إيجابه في كل ركعة كالركوع والسجود ، ولأن ما لزم في الثانية لزم في الثالثة والرابعة كالقيام ، ولأن ما استحق له من محل القراءة استحقت فيه القراءة كالأوليين ، ولأن تكرار القراءة مستحق بتكرار الركعات كالصبح ، فأما الجواب عن حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن عباس فمن وجهين :
أحدهما : أن التهمة لا تتوجه إليه إذا قرأ فيه : لأنه في صلوات الإسرار يقرأ في نفسه ، ولا يكون متهما
والثاني : أنه نفي قد عارضه إثبات فكان أولى منه
وأما احتجاجهم بالجهر بالأوليين فكذلك القراءة فخطأ ، لأن صلوات الإسرار فيها القراءة وإن لم يكن فيها جهر فكذلك الأوليان
وأما قياسهم على الإحرام والسلام ، فالمعنى فيه : أنه لما لم يتكرر نطقا لم يكن تكراره مستحقا والقراءة لما تكررت نطقا كان تكرارها مستحقا