فصل : في الخشوع
قال الله تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون [ المؤمنون : 221 ] . فكان
وروى ترك الخشوع دالا على عدم الفلاح الحسن عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا كالمشاهد ، لأنهم يقتصرون على الجائز ، والمباح ، ويعدلون عن الأفضل والأولى أول ما يرفع من الناس الخشوع
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من هانت عليه صلاته كانت على الله عز وجل أهون فعماد الصلاة وعلامة قبولها كثرة الخشوع فيها ، فمن خشوع المصلي بعد فعل ما أمر به واجتناب ما نهي عنه أن يكون خاليا من حديث النفس ، وإنكار الدنيا مصروف القصد إلى أداء ما افترض عليه ، فقد روي عن علي ، كرم الله وجهه ، أنه كان إذا دخل عليه وقت الصلاة يصفر وجهه تارة ويخضر تارة ، ويقول أتتني الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها ، فلا أدري السيئ فيها أم الحسن
ومن أن ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده ، وفي حال جلوسه إلى حجره الخشوع
قال مالك : الخشوع أن ينظر تلقاء وجهه وما ذكرناه أولى من وجهين :
أحدهما : أنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه ، رضي الله عنهم ، أنه أغض لطرفه ، وأحرى أنه لا يرى ما يشغله عن صلاته ، ومن الخشوع أن لا [ ص: 192 ] لرواية يرفع رأسه إلى السماء ، إذا دعا في صلاته الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
ومن لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة ، أو لتخطفن أبصارهم ليصده عن مشاهدة ما يلهي ويمنعه من مرور ما يؤذي ، ولرواية الخشوع أن يكون المصلي قريبا من محرابه هشام بن عروة عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ارهقوا القبلة يعني : ادنوا منها ، فإن لم يكن في محراب اعتمد القرب من الحائط أو سارية ، فإن تعذر عليه وضع بين يديه شيئا أو خط خطا
ومن ويعتمد لبس البياض الخشوع أن لا يلبس ثوبا يلهيه
وقد روى هشام بن عروة عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : صلى رسول الله في خميصة لها أعلام فقال : لقد ألهتني أعلام هذه ، اذهبوا بها وائتوني بأنبجانية أبي جهم ومن الخشوع أن لا يضع رداءه من عاتقه بين يديه ، ولا يشمر كميه ، ولا يكثر الحركة والالتفات ، ولا يقصد عمل شيء أبيح له فعله في الصلاة
ومن فإن ذلك مكروه : لما روي الخشوع أن لا يصلي متلثما ، ولا مغطى الوجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وقد غطى لحيته فقال : " اكشف وجهك
وفي هذا دليل على أن من الوجه يجب إمرار الماء عليها في الوضوء اللحية
، فقد روى ومن الخشوع أن لا يتنخع في صلاته ، ولا يبصق زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه
فإن غلب عليه النخاع أو البصاق أخذه في ثوبه فإن ألقاه على الأرض لم تفسد صلاته
وقد روي أن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أول من رسم الخلوق في المساجد ليمحي به أثر البصاق
وأما به فلا تفسد به الصلاة لكونه عملا يسيرا ، لكن إن العدد باليد وعقد الأصابع قطع خشوعه ، وكرهناه لأنه مأمور بقراءة ما تيسر عليه وإن عد ركعات الصلاة لم [ ص: 193 ] يقطع خشوعه ، لأن معرفة ما مضى من صلاته وما بقي منها واجب فجاز عقد الأصابع به عد آي القرآن
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد في صلاته عقد الأعراب