الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولا يباع عسل نحل بعسل نحل إلا مصفيين من الشمع : لأنهما لو بيعا وزنا وفي أحدهما شمع وهو غير العسل بالعسل غير معلوم ، وكذلك لو بيعا كيلا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . لا يجوز بيع العسل بالعسل إلا مصفيين من الشمع ، فإن كان فيهما أو في أحدهما شمع لم يجز : لأن الشمع إن كان في أحدهما كان التفاضل في العسل معلوما ، وإن كان فيهما كان التماثل فيه مجهولا .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا جاز بيع العسل بالعسل وفيهما شمع ، كما جاز بيع التمر بالتمر وفيهما نوى .

                                                                                                                                            قيل : الفرق بين الشمع في العسل وبين النوى في التمر من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن النوى في التمر بعض منه لا يتم صلاح التمر إلا به ، ولذلك منع من بيع التمر المنقى من النوى بمثله ، وليس الشمع كذلك : لأنه مباين للعسل وإن جاوره ، وتركه فيه مؤد إلى فساده ، والتمييز بينهما أبقى لهما ، ولذلك جاز بيع العسل المصفى بمثله .

                                                                                                                                            والفرق الثاني : أن النوى في التمر غير مقصود ، فلم يكن لكونه فيه تأثير ، والشمع في العسل مقصود ، فكان اجتماعهما هاهنا يؤدي إلى الجهالة في المقصود منهما .

                                                                                                                                            ألا ترى أن العظم في اللحم لما كان غير مقصود لم يمنع من بيع اللحم باللحم وفيهما عظم .

                                                                                                                                            فإذا ثبت أن بيع العسل بالعسل لا يجوز إلا بعد تصفيتهما من الشمع ، فلا يخلو حال التصفية من أحد أمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 119 ] إما أن يكون بالشمس أو بالنار . فإذا كانت بالشمس لم يمنع من جواز بيعه ، وإن كانت بالنار فقد كان بعض أصحابنا يجعل دخول النار في تصفيته مانعا من بيع بعضه ببعض كدخول النار في الزيت : لأنها تأخذ بعض أجزاء العسل كما تأخذ بعض أجزاء الزيت .

                                                                                                                                            وذهب سائر أصحابنا إلى أن دخول النار في تصفيته لا يمنع من جواز بيع بعضه ببعض ، وكذلك في السمن بخلاف الزيت المغلي : لأن النار دخلت فيه لإصلاحه وتمييزه من شمعه ، فلم تأخذ من أجزائه شيئا ، وكذلك السمن ، وإنما تأخذ النار فيما تدخل فيه لانعقاده واجتماع أجزائه ، حتى لو أن العسل المصفى أغلي بالنار لم يجز بيع بعضه ببعض : لأن النار إذا لم تميزه من غيره أذهبت بعض أجزائه .

                                                                                                                                            فصل : فأما السكر والفانيذ فإن ألقي فيهما ماء أو لبن أو جعل فيهما دقيق أو غيره ، لم يجز بيع بعضه ببعض ، وإن لم يكن فيهما شيء من ذلك نظر في دخول النار فيهما .

                                                                                                                                            فإن كانت قد دخلت لتصفيتهما وتمييزهما من غيرهما جاز بعضهما ببعض ، وإن دخلت لانعقادهما واجتماع أجزائهما لم يجز ، وكذلك دبس التمر ورب الفواكه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية