[ ص: 238 ] باب الصلاة بالنجاسة ومواضع الصلاة من مسجد وغيره
قال الشافعي : رحمه الله تعالى : وإذا أعاد ولم يعيدوا ، واحتج في ذلك صلى الجنب بقوم بعمر بن الخطاب والعباس . " قال المزني " : يقول : كما لا يجزئ عني فعل إمامي فكذلك لا يفسد علي فساد إمامي ، ولو كان معناي في إفساده معناه لما جاز أن يحدث فينصرف ، وأبني ولا أنصرف ، وقد بطلت إمامته واتباعي له ، ولم تبطل صلاتي ولا طهارتي بانتقاض طهره " .
قال الماوردي : وصورتها : في إمام صلى بقوم ثم علم بعد فراغه من الصلاة أنه جنب فعليه الإعادة وحده ، فأما المأمومون فلا إعادة عليهم إذا لم يعلموا بحاله قبل صلاتهم .
وقال أبو حنيفة : عليهم الإعادة بكل حال كالإمام ، وكذلك لو بطلت صلاته ، وصلاة المأمومين معه ، وغلظ عليه فألزمه حدث الإمام في الصلاة . أحدث الإمام في تضاعيف صلاته
وقال مالك : إن فعليهم الإعادة ، وإن صلى بهم ناسيا فصلاتهم جائزة ، وعلى الإمام الإعادة ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " عمد الإمام أن يصلي بهم جنبا الأئمة ضمناء " .
والضمان يقتضي أن يكون للحق المضمون تعلقا بالضامن ، والضامن تعلقا بالحق المضمون وبقوله صلى الله عليه وسلم : فجعل صلاتهم تابعة لصلاة الإمام ، فعلم أنها متعلقة بها . قالوا : ولأنه صلى خلفه من لو كان عالما بحاله لم تصح صلاته فوجب إذا كان جاهلا بحاله أن لا تصح صلاته قياسا عليه إذا صلى خلف امرأة ، وهذا خطأ ، ودليلنا رواية إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا الحسن ، عن أبي بكرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الصبح ، وأومأ إلى القوم أن مكانكم ، ثم جاء ورأسه يقطر ماء ، وصلى بهم
وروى أبو هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ، وذكر أنه جنب ، فقال للقوم : امكثوا . ثم رجع ، واغتسل ، وجاء رأسه يقطر ماء
فوجه الاستدلال فيهما من وجهين :
أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني
والثاني : أنه صلى الله عليه وسلم أشار إليهم بالوقوف ، ولو كان ذلك قبل إحرامهم لأمرهم بالقعود ، فدل أمره صلى الله عليه وسلم بالوقوف على تقديم إحرامهم ، فإن قيل : فقد روى جابر البياضي ، عن سعيد بن [ ص: 239 ] المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بقوم وهو جنب فأعاد وأعادوا قيل : هذا متروك ، وجابر البياضي متروك الحديث بإجماع أهل الحديث ، على أن الإعادة محمولة على الاستحباب ، لأنا نقلنا صحة صلاة المأمومين مع بطلان صلاة الإمام .
وروى جويبر ، عن الضحاك ، عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيما إمام سها فصلى بقوم وهو جنب ، فإن صلاة القوم ماضية وليغتسل هو ويعيد صلاته وهذا نص في موضع الخلاف .
وروي فكان على عمومه في كل حال . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الإمام : إن أتم فله ولكم ، وإن أساء فعليه دونكم
وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ، فلما فرغ من صلاته نظر إلى كسائه ، وفيه شيء من دم فبعث به إلى عائشة ، رضي الله عنها ، وأمر بغسله وأعاد الصلاة ، ولم يأمرهم بالإعادة .
وروى كثير بن الصلت قال : صليت مع عمر رضي الله عنه صلاة الصبح ، فلما فرغ أخذ بيدي فخرجنا نحو الصحراء ، فلما صار في بعض الطريق نظر إلى ثوبه ، وفيه شيء من مني ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إنا أكلنا ودكا ، فلانت مفاصلنا ، فأجنبنا ، ثم غسله ، ورجع فأعاد الصلاة وحده ، ولم يعيدوا ، وفي الخبر : أنه هم بعضهم بالإعادة فمنعه .
وروي نحوه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أنه صلى بالناس فرأى في ثوبه أثر الاحتلام ، فقال : " أراني قد كبرت ، أحتلم ولا أعلم . فأعاد ولم يأمرهم بالإعادة ، وليس لهما في الصحابة مخالف فدل على أنه إجماع ، ولأن كل من بطلت صلاته لمعنى انفرد به وجب أن لا تبطل صلاة غيره ببطلان صلاته ، أصله إذا كان المأموم جنبا لم تبطل صلاة الإمام ، ولأنه لو كان بطلان صلاة الإمام بالحدث يوجب بطلان صلاة المأموم لوجب إذا طرأ عليه الحدث في تضاعيف صلاته فأبطلها أن تبطل صلاة المأموم لبطلان صلاة الإمام بالحدث ، وفي إجماعه على صحة صلاة المأموم ، وإن بطلان صلاة الإمام بالحدث الطارئ دليل على بطلان صلاته بالحدث المتقدم لا يبطل صلاة المأموم .
وتحريره قياسا : أن عند متابعته كمن سبقه الحدث ، ولأن كل من عمل على طهر بقوله لم يبطل حكم الطهر برجوعه ، كالمرأة إذا تزوجت بعد انقضاء عدتها ، ثم رجعت . بطلان طهارة الإمام لا توجب فساد صلاة المأموم إذا لم يعلم بحدثه
فأما احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم : الأئمة ضمناء فالمراد به ضمان الإمامة لا ضمان الائتمام ، ألا تراه قال صلى الله عليه وسلم في الخبر " فإن أتم فله ولكم ، وإن نقص فعليه دونكم " فكان هذا الخبر دلالة له عليهم لا لهم .
[ ص: 240 ] وأما تعلقهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " " ، فالمراد ما ظهر من أفعاله دون طهارته لتعذر معرفتها على أنه قد أبان ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " . فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا
وأما قياسهم على المرأة فلا يصح ، لأنه قد كلف معرفة حال الإمام في كونه رجلا ، أو امرأة لقدرته على معرفة ذلك بظاهر الزي والهيئة ، ولم يكلف معرفة طهارة إمامه لتعذر معرفتها ، وعدم إمارة تدل عليها ، ألا ترى أن الحاكم لو حكم بشهادة نفسين ، ثم بان له أنهما فاسقان بعد القضاء لم ينقض حكمه ، ولو بان أنهما امرأتان نقض حكمه ، وإذا فرق مالك بين عمد الإمام ونسيانه فغلط ، لأن ما نقض الطهر فحكم العمد والسهو فيه سواء .
فإذا تقرر أن الإعادة على المأمومين ، وإن كان إمامهم محدثا فبان حدث الإمام في ، فإن كانوا أربعين مع إمامهم لم تصح الجمعة لنقصان عددهم ، ولهم البناء على الظهر ، وإن كانوا أربعين سوى الإمام فعلى وجهين : صلاة الجمعة
أحدهما : لا تصح لأنه لما جاز أن تصح لهم صلاة الجمعة ، وأن تصح لإمامهم جاز أن تصح لهم الجمعة ويبنون على الظهر ، لأن انعقاد الجمعة بالإمام فإذا لم تصح الجمعة له لم تصح لهم .
والوجه الثاني : تصح لهم الجمعة لأنه لما جاز أن تصح لهم صلاة الجمعة ، وإن تصح لإمامهم جاز أن تصح لهم الجمعة وإن لم تصح لإمامهم .