مسألة : قال : " وإن  صلت أمة ركعة مكشوفة الرأس وركعت ، ثم أعتقت   ، فعليها أن      [ ص: 311 ] تستتر إن كان الثوب قريبا منها ، وتبني على صلاتها ، فإن لم تفعل ذلك ، أو كان الثوب بعيدا منها بطلت صلاتها " .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا فيما تقدم حكم العورات ، وتفصيلها ودللنا على إيجاب سترها ، وذكرنا عورة الرجل ، وعورة المرأة الحرة ، وعورة الأمة ، فإذا تقررت تلك الجملة فقد علم أن رأس الأمة وشعرها ليس بعورة ، وأن صلاتها مكشوفة الرأس جائزة ، لأن المصلي يلزمه ستر عورته ، ورأس الأمة ليس بعورة ، ولم يلزمها ستره ، فإذا صلت الأمة بعض الصلاة ورأسها مكشوف ، ثم أعتقت قبل تمامها فقد وجب عليها تغطية رأسها لكونها حرة ، فلا تصح صلاتها إلا مستورة .  
وإذا تقرر الأمر على هذا فليس يخلو حالها من أحد أمرين ، إما أن تكون واجدة لما تستر رأسها أو عادمة ، فإن عدمت ما تستر به بنت على صلاتها ، وأجزأتها سواء علمت بعتقها أم لا ، لأنها ليست أسوأ حالا من العريان الذي لا يجد ثوبا فيصلي عريانا ، ولا إعادة عليه ، وإن كانت واجدة لما تستتر به فلها حالان .  
أحدهما : أن تعلم عتقها في الصلاة .  
والثاني : أن لا تعلم به إلا بعد تقضي تلك الصلاة ، فإن علمت بعتقها في الصلاة فليس يخلو الثوب من أحد أمرين ، إما أن يكون قريبا أو بعيدا ، فإن كان الثوب قريبا وجب عليه تناوله ، والاستتار به ، فإذا استترت به في الحال بنت على صلاتها ما لم يكن في أخذه استدبار القبلة ، لأنه عمل قليل ، فأما إن استدبرت القبلة في أخذها فصلاتها باطلة ، لأن الاستدبار في حال الاختيار يمنع صحة الصلاة ، وإن كان الثوب بعيدا ، أو كان قريبا فلم تأخذه مضي تطاول الزمان وبعده فصلاتها باطلة .  
واختلف أصحابنا بماذا بطلت صلاتها على وجهين .  
إنما بطلت صلاتها برؤية الثوب كما يبطل تيمم برؤية الماء وهذا غير صحيح ، لأنه لو كان رؤية الثوب تبطل الصلاة كالمتيمم لوجب أن تبطل صلاتها وإن كان الثوب قريبا كالمتيمم ، وفي إجماعهم على جواز صلاتها ، وإن كان الثوب قريبا دليل على أن رؤية الثوب لا تبطل الصلاة .  
والوجه الثاني : وهو الصحيح أن صلاتها إنما بطلت بالمضي لأخذ الثوب وتطاول العمل فيه .  
فإن قيل : فيلزمكم على هذا أنها ما لم تمض فهي على صلاتها حتى تمضي ، وإن دفع الثوب إليها فاستترت به بنت على ما مضى من صلاتها وأجزأها .  
 [ ص: 312 ] والجواب : أنها تمضي لأخذ الثوب ولا انتظرت من تناولها إياه ، فصلاتها باطلة ، وإن لم يمض فهو في حكم من مضى ، لكن إن انتظرت من تناولها الثوب فناولها إياه من غير فعل شيء في الصلاة ولا إحداث عمل فيها طويل فقد اختلف أصحابنا على وجهين .  
أحدهما : قد بطلت صلاتها ، ولأن الانتظار عمل طويل .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي إسحاق   أن صلاتها لا تبطل ، وتبني على ما مضى ويجزئها ، لأن الانتظار ليس بفعل يبطل الصلاة  كالراكع إذا أحس بالداخل فانتظره   جاز ، ولم تبطل صلاته فإن قيل : ما الفرق بين الثوب في وجوب أخذه ، وبطلان الصلاة بتركه ، وبين المتيمم إذا رأى الماء في صلاته ، فلم يجب عليه استعماله ، ولا بطلت برؤيته صلاته ؟ قيل : الفرق بينهما من ثلاثة أوجه .  
أحدها : أن فعل الطهارة يجب قبل الإحرام بالصلاة ، فإن أحرم بها سقط فرضها ، فإن أحرم بها ، ثم وجد الماء في وقت سقط عنه فعل الطهارة فيه ولم يلزمه استعماله ، وستر العورة يجب في جميع أجزاء الصلاة ، فإذا وجد الثوب في شيء منها وجب عليه استعماله ؟ لأنه وجد في زمان يجب عليه ستر العورة فيه ، فإن قيل : لا فرق بينهما ؟ لأنه يلزمه استصحاب الطهارة في جميع أجزاء الصلاة كما يلزمه ستر العورة في جميع أجزائها .  
قيل : إنما يستصحب حكم الطهارة مع أفعال الصلاة لا الطهارة ، وهو في الثوب يستعمل الستر مع أفعالها ، لا حكم الستر فافترقا .  
والفرق الثاني : هو أن استدامة الثوب كابتدائه في الحكم بدلالة أنه لو  حلف لا يلبس هذا الثوب ، وهو لابسه   حنث واستدامة الطهارة مخالفة لابتدائها في الحكم بدلالة أنه لو  حلف لا يتطهر وهو متطهر   لم يحنث ، وإذا كان كذلك كان وجود الثوب في خلال الصلاة كوجوده في ابتدائها ، فلزمه استعماله ولم يكن وجود الماء في خلال الصلاة كوجوده في ابتدائها فلم يلزمه استعماله .  
والفرق الثالث : هو أن المتيمم قد أتى ببدل الماء فجاز أن لا يلزمه استعماله ، والعريان لم يأت بالستر ، ولا ببدله ، لأن العري ليس ببدل عن الستر فلزمه استعماله لعدم البدل ، كالمستحاضة ، إذا انقطع حيضها لما لم تأت بالطهارة عن النجاسة ، ولا ببدل الطهارة لزمه استئناف الطهارة والصلاة .  
والحال الثالثة في أصل المسألة أن لا تعلم الأمة بعتقها إلا بعد إتمام الصلاة ، فمذهب  الشافعي   ، ومنصوصه أن الإعادة عليها واجبة ، كمن  صلى وهو جنب ، أو محدث ، فلم يعلم حتى فرغ من صلاته   ، وقد خرج في المسألة قول آخر : أنه لا إعادة عليها ، ثم اختلف أصحابنا من أين خرج هذا القول .  
 [ ص: 313 ] فقال بعضهم : من اختلاف قول  الشافعي   في المتيمم إذا صلى بعد طلب الماء ، ثم علم به أنه في رحله .  
وقال بعضهم : من اختلاف قوله : في المسافرين إذا رأوا سوادا وظنوهم عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف ، ثم بان لهم أنهم إبل ، أو وحش ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					