الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما صلاة من ائتم به وهو لا يعلم بكفره ، فلا يخلو حال إمامه الكافر من أحد أمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 336 ] إما أن يكون مظهرا لكفره كأهل الذمة والمعاهدين ، فصلاة من ائتم به باطلة ، وهو مذهب الفقهاء كافة ، وقال المزني : صلاته جائزة كالمصلي خلف جنب ، وهذا غلط ، والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الكافر معه علم ظاهر يدل على كفره ، لأنه يوجد لا يدين بلبس الغيار ، وشد الزنار ، وتغيير الهيئة ، فإذا خفي عليه فلتفريطه وقلة تأمله .

                                                                                                                                            والثاني : أن إمامة الكافر مع العلم بحاله لا تجوز بحال ، وإمامة الجنب قد تجوز بحال ، وهو المتيمم إذا صلى بالمتطهر ، لأن التيمم لا يرفع الحدث وكذلك لو أجنب جماعة ولا يجدون ماء ولا ترابا وخافوا فوات الوقت جاز أن يأتموا بأحدهم مع العلم بجنابته ، فمن أجل ذلك وجب اختلاف حكمهما في الائتمام بهما ، وبطلت صلاة من ائتم بالكافر منهما .

                                                                                                                                            وإن كان مستترا بكفره كالزنادقة ، فمذهب الشافعي ، وعامة أصحابنا وجوب الإعادة على من ائتم به .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابنا : لا إعادة عليه لزوال العلم الدال على كفره ، وهذا غلط لما ذكرناه من بطلان إمامة الكافر بكل حال ، فلو ائتم بمن لا يعرف بالكفر ولا بالإسلام ، فصلاته جائزة ، لأن الظاهر من الدار إسلام أهلها إلا أن يخبره بكفره من يسكن إليه ، ويثق به فيعيد صلاته ، فلو ائتم بمرتد يظنه مسلما فعليه الإعادة ، فلو شك في إسلامه بعد تقدم ردته لم تسقط عنه الإعادة اعتبارا باليقين ، فلو ائتم برجل كانت له حالان : حال ردة وحال إسلام ، وأشكل عليه في أي الحالين أمه .

                                                                                                                                            قال الشافعي : " أحب أن يعيد " . ولا تجب عليه الإعادة ، لأن ثبوت الإسلام له في الحال يرفع حكم ردته ، ويدل في الظاهر على صحة إمامته ، ولو أن كافرا أسلم ثم جحد إسلامه وقد ائتم به مسلمون . فمن ائتم به منهم بعد إسلامه وقبل جحوده فصلاته جائزة : لأنه مسلم في الظاهر ، ومن ائتم به بعد جحوده فعليه الإعادة لأنه بالجحود مرتد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية