مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " فإذا أتم ، وإن قصر أعاد إلا أن يكون في خوف ، أو حرب فيقصر قصر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لحرب جاوز أربعا لحاجة ، أو مرض ، وهو عازم على الخروج هوازن سبع عشرة ، أو ثماني عشرة . ( وقال في الإملاء ) : إن أقام على شيء ينجح اليوم واليومين أنه لا يزال يقصر ما لم يجمع مكثا ، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح سبع عشرة ، أو ثماني عشرة يقصر حتى خرج إلى حنين . ( قال المزني ) : ومشهور عن ابن عمر أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر يقول : أخرج اليوم وأخرج غدا . ( قال المزني ) : فإذا قصر النبي صلى الله عليه وسلم في حربه سبع عشرة ، أو ثماني عشرة ، ثم ابن عمر ، ولا عزم على وقت إقامة ، فالحرب وغيرها سواء عندي في القياس وقد قال الشافعي : لو قاله قائل كان مذهبا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا بل كان ينتظر حالا يرجوها ، أو حاجة ينجزها ، ثم يخرج ، وكان يرجو حصولها في قليل الزمان وكثيره ، فهذا له حالان : دخل المسافر بلدا ، أو قرية ، أو نزل أرضا ، أو قبيلة ، ولم ينو الإقامة
أحدهما : أن يكون محاربا .
والثاني : أن يكون غير محارب :
فإن كان فله أن يقصر سبعة عشر يوما ، أو ثمانية عشر يوما : محاربا ينتظر أن تضع الحرب أوزارها ، ويخرج بمكة عام الفتح لحرب هوازن سبعة عشر يوما ، أو ثمانية عشر يوما يقصر الصلاة . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام
فإذا جاوز ذلك ففي جواز القصر قولان : نص عليهما في " الإملاء " :
أحدهما : يقصر ما دامت الحرب قائمة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر في هذه المدة لبقاء الحرب ، ولأنه مذهب ابن عمر ، وأنس بن مالك ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وعبد الله بن عباس ، ولا مخالف لهم من الصحابة ، أما ابن عمر ، فأقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ، وأما أنس بن مالك أقام بنيسابور سنتين يقصر ، وأما عبد الرحمن بن سمرة فأقام بفارس سنتين [ ص: 374 ] وقصر ، وأما ابن عباس ، فروي أن رجلا سأله فقال : إنا نكون على حرب ، فيكثر مقامنا ، أفنقصر ؟ فقال : اقصر ، وإن بقيت عشر سنين .
والقول الثاني : لا يقصر أكثر من سبعة عشر يوما ، أو ثمانية عشر يوما : لأن إتمام الصلاة عزيمة ، والقصر رخصة في السفر ، والمقيم غير مسافر فلم يجز له القصر إلا في المدة التي قام الدليل عليها فكان ما سواها على حكم الأصل في وجوب الإتمام ، وإنما قصر ابن عمر بأذربيجان : لأنه إقليم يجمع بلدانا شتى وقرى مختلفة كالعراق ، فكان ينتقل من بلد إلى بلد ، ومن قرية إلى قرية ، فمن أجل ذلك كان يقصر ، فهذا الكلام في ، فأما إن المحارب إذا لم ينو الإقامة ففيه قولان : نوى في الحرب إقامة أربعة أيام
أصحهما : لا يقصر ، وعليه أن يتم : لأنها مدة الإقامة ، وقد نواها ، وصار بها مقيما ، ولو جاز أن يقصر إذا كان مقيما ، لأنه محارب لجاز للمستوطن في بلده أن يقصر إذا كان محاربا .
والقول الثاني : يقصر : لأن أعذار الحرب تخالف ما سواها ، فعلى هذا يكون على القولين :
أحدهما : . يقصر إلى سبعة عشر يوما
والثاني : يقصر ما دامت الحرب قائمة .
والحال الثانية : أن لا يكون محاربا ، وإنما ينتظر بمقامه خروج قافلة تجارية ، أو بيع متاع ، أو زوال مرض ، ثم يخرج ، فهذا يقصر تمام أربعة أيام كوامل سوى يوم دخوله .
وإنما قلنا يقصر أربعة أيام لأن ، أو بوجود فعل الإقامة . الإتمام لا يجب إلا بالعزم على الإقامة
فإذا لم يعزم على الإقامة قصر إلا أن يوجد منه فعل الإقامة ، وذلك أربعة أيام .
وإذا أكملها سوى يوم دخوله فهل يقصر أم لا ؟ على ثلاثة أقاويل :
منها قولان منصوصان : وقول ثالث مخرج .
أحد الأقاويل نص عليه في هذا الموضع : ليس له أن يقصر فيما زاد على الأربع : لأن فعل الإقامة آكد من العزم على المقام لأن الفعل إذا وجد تحقق ، وقد يعزم على المقام ، ولا يصير مقيما ، فإذا تقرر أنه بالعزم على إقامة أربع يلزمه الإتمام ، ولا يجوز له القصر كان بإقامة أربعة أولى أن يلزمه الإتمام .
والقول الثاني : وهو قوله في " الإملاء " : يقصر إلى سبعة عشر يوما ، أو ثمانية عشر يوما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر هذه المدة توقعا لانجلاء الحرب عند اشتغاله بها . وهذا المعنى موجود في غير المحارب إذا توقع إنجاز أمره وتقضي أشغاله .
[ ص: 375 ] والقول الثالث : وهو تخريج المزني : له أن يقصر ما كان مقيما على تنجيز أمره وإن طال الزمان لحديث ابن عمر قياسا على أحد القولين في المحارب بعلة أنه مسافر عازما على الرحيل عند تنجيز أمره فجاز له القصر كـ " المحارب " ، أو قياسا على ما دون أربعة أيام .
فهذا الكلام في . المقيم لعذر يرجو زواله
فأما إذا أقام غير محارب ، ولا مشغول ولا نية له في إقامة ، ولا رحيل فهذا يقصر تمام أربع ، ثم عليه أن يتم فيما زاد عليها قولا واحدا لأن إقامته بعد أربع أوكد من عزمه على مقام أربع لأنه قد حقق ذلك بفعله .