أحدها : الإبعاد عن أبصار الناس لما فيه من الصيانة وإكمال العشرة ، وقد روى أبو سلمة عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب بعد ، وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد . [ ص: 156 ] والثاني : أن يستتر بسترة لأن لا يراه مار فقد روى أبو سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تحدثوا في القزع فإنه مأوى الخافين " ، القزع هو الوضع الذي لا نبات فيه يستره مأخوذ من قزع الرأس الذي لا شعر فيه ، ومأوى الخافين هو مأوى الجن سموا الخافين لاستخفائهم .
والثالث : أن يتوقى مهاب الرياح لأن لا يرد الريح عليه النجاسة ، وقد روى الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خرج الرجل للغائط فلا يستقبل الريح " .
والرابع : أن يرتاد لبوله أرضا لينة حتى لا يرتفع لبوله رشيش يؤذيه فقد روى أبو موسى الأشعري قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال ثم قال : " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله " والخامس : أن يتوقى البول في ثقب أو سرب لئلا يخرج عليه من حشرات الأرض ما يؤذيه أو لئلا يؤذي حيوانا فيه ، وقد روى قتادة عن عبد الله بن سرجس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر فقيل لقتادة : ولم يكره ذلك فقال : إنه مساكن الجن .
والسادس : أن يتوقى في الجواد ، وقوارع الطرق والمواضع التي يجلس فيها الناس أو ينزلها السيارة لئلا يتأذوا بها .
فقد روى أبو سعيد الحميري عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا [ ص: 157 ] الملاعن الثلاثة ، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " . والموارد : هي الطرق إلى الماء ، ومنه قول جرير :
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
والسابع : أن يتوقى القبور أن يحدث عليها أو قريبا منها صيانة لها وحفاظا لحرمة أهلها فقد روى محمد بن كعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط عليه فكأنما جلس على جمرة " .والثامن : ألا يتغوط تحت الشجرة المثمرة ولا يبول في الماء القليل ، لأنه يفسد بهذا مأكولا ، وبهذا طهورا ومشروبا فقد روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تغوط على نهر يتوضأ منه ويشرب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " فهذه ثمانية آداب تختص بمكان المستنجي .
وأما الثمانية التي تختص به في نفسه :
أحدها : ألا يكشف ثوبه حتى يدنو من الأرض لأنه أستر له وأصون ، فقد روى الأعمش عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ) .
والثاني : أن يعتمد على رجله اليسرى فإنه أنجح له ، وقد روى سراقة بن مالك بن جعشم قال : لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى . [ ص: 158 ] والثالث : أن يغض طرفه وبصره ، ولا يكلم أحدا ، فقد روى أبو عياض عن أبي سعيد الخدري قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المتغوطين أن يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك .
والرابع : ألا يمس ذكره بيمينه لأن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لما علاه ويسراه لما سفل ، وقد روى عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس ذكره بيمينه .
والخامسة : أن يقول عند جلوسه ما رواه النضر بن أنس عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث .
والسادس : إن كان في يده خاتم عليه اسم الله تعالى خلعه قبل دخوله أو جلوسه فقد روى الزهري عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " .
والسابع : أن ينثر ذكره ثلاثا قبل مقامه بعد أن يتنحنح لتخرج بقايا بوله من ذكره فقد روى عيسى بن يزداد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثا " .
[ ص: 159 ] والثامن : أن يقول بعد قضاء حاجته ما رواه سلمة بن وهرام عن طاوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خرج أحدكم من الخلاء فليقل الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني " فهذه ثمانية آداب تختص بالمستنجي في نفسه وهي تمام ستة عشر ، وبالله التوفيق .


