الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا صح أن ما وصفناه من صلاة الخوف أولى وأصح فينبغي للإمام إذا صلى بالطائفة الأولى ركعة أن يقوم إلى الركعة الثانية منتظرا لفراغ الطائفة الأولى ودخول الطائفة الثانية ، فإن اعتدل قائما في الركعة الثانية أخرجت حينئذ الطائفة الأولى نفسها من صلاته وأتموا لأنفسهم ولا بد أن ينووا الخروج من صلاته عند مفارقته ، فإن فارقوه بغير نية بطلت صلاتهم لأنه لا يجوز للمصلي أن يسبق إمامه في أفعال الصلاة وهو مؤتم به ، فإذا نووا إخراج أنفسهم عند قيامهم أتموا الصلاة وأجزأتهم .

                                                                                                                                            فلو خالف الإمام فانتظرهم جالسا بطلت صلاته : لأن فرضه القيام ، ومن استدام الجلوس في موضع القيام بطلت صلاته ، فأما الطائفة الأولى فصلاتهم جائزة ؛ لأنهم أخرجوا أنفسهم من إمامته قبل بطلان صلاته ، لأن صلاته بطلت باستدامة الجلوس لا بابتدائه وهم أخرجوا أنفسهم مع ابتداء جلوسه ، فأما الطائفة الثانية فصلاتهم باطلة إن علموا بحاله وجائزة إن لم يعلموا بحاله .

                                                                                                                                            فإذا صح أن الإمام ينتظرهم قائما في الثانية ، فهل يقرأ في انتظاره قائما أم لا ؟ : على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في الأم : يذكر الله سبحانه ويسبحه ولا يقرأ إلا بعد دخول الطائفة معه ليسوي بين الطائفتين في القراءة ولا يفضل .

                                                                                                                                            [ ص: 463 ] والقول الثاني : قوله في الإملاء بأنه يقرأ ؛ لأن القيام محل للقراءة لا للإنصات والذكر ، وكان أبو إسحاق المروزي يمتنع من تخريج ذلك على قولين ، ويقول : المسألة على اختلاف حالين ، فقول الشافعي في الأم : لا يقرأ إذا علم أنه إن قرأ لم تدرك الطائفة الثانية معه القراءة ، وقوله في الإملاء : يقرأ إذا علم أنهم يدركون معه القراءة وعلى كلا الحالين لا ينبغي أن يركع قبل دخول الثانية معه فإن ركع وأدركوه راكعا أجزأتهم الركعة .

                                                                                                                                            وإن كان الإمام مخالفا صلاة الخوف ، مفضلا للطائفة الأولى على الثانية فإذا رفع رأسه من السجود وجلس للتشهد ، فهل يفارقونه قبل تشهده أو بعده على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : بعد تشهده ؛ لأن عليهم اتباعه إلى آخر صلاتهم كغيرهم من المأمومين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو أصح يفارقونه قبل تشهده ؛ لأن ذلك أسرع في الفراغ ، فعلى هذا إذا فارقوه قبل التشهد فهل يتشهد قبل فراغهم أم لا ؟ على وجهين من القولين في القراءة .

                                                                                                                                            أحدهما : يتشهد في انتظاره ، فإذا أتموا تشهد بهم وسلم وهو الصحيح .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يجلس منتظرا يذكر الله تعالى ويسبحه فإذا أتموا تشهد بهم وسلم ، ولا يجوز لهم إذا فارقوه لإتمام صلاتهم أن ينووا الخروج من إمامته بخلاف ما قلنا في الطائفة الأولى .

                                                                                                                                            فالفرق بينهما أن الأولى تريد سبق الإمام ولا يمكنهم سبقه مع الإتمام به ، والثانية تريد لحوق الإمام فلم يجز لهم الخروج عن إمامته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية