الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا ترافع إلينا ذميان في نكاح أو غيره ، إن كانا متفقي الملة ، وجب الحكم بينهما على الأظهر عند الأكثرين ، لقول الله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [ المائدة : 49 ] ولأنه يجب الذب عنهم كالمسلمين . والثاني : لا يجب ، لكن لا نتركهم على النزاع ، بل نحكم أو نردهم إلى حاكم ملتهم ، ورجحه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ . وقيل : يجب الحكم بينهم في حقوق الله تعالى ، والقولان في غيرها لئلا تضيع ، وقيل : عكسه ، والأصح طردهما في الجميع . وإن كانا مختلفي الملة ، كيهودي ونصراني ، وجب الحكم على المذهب ، لأن كلا لا يرضى بملة صاحبه . وقيل بالقولين . ولو ترافع معاهدان ، لم يجب الحكم قطعا ، وإن اختلف ملتهما ، لأنهم لم يلتزموا حكمنا ، ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض . وقيل : هما كالذميين . وقيل : إن اختلف ملتهما ، وجب ، والمذهب الأول . ولو ترافع ذمي ومعاهد ، فكالذميين . وقيل : يجب قطعا . وإن ترافع مسلم وذمي أو معاهد ، وجب قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب على اختلاف طبقاتهم : إن قلنا : وجب الحكم بين الكافرين ، [ ص: 155 ] فاستعدى خصم على خصم ، وجب إعداؤه وإحضار خصمه ليحكم بينهما ، ولزم المستعدى عليه الحضور . وإن قلنا : لا يجب الحكم ، لم يجب الإعداء ، ولا يلزمه الحضور ، ولا يحضر قهرا . قال البغوي وغيره : ولو أقر ذمي بالزنا ، أو سرقة مال مسلم أو ذمي ، حد قهرا إن أوجبنا الحكم بينهم ، وإلا ، فلا يحد إلا برضاه ، فاعتبر الأصحاب الرضى على قول عدم الوجوب ، ولم يعتبروه على قول الوجوب . وأما قول الغزالي : لا يجب الحكم إلا إذا رضيا جميعا ، فمردود مخالف لما عليه الأصحاب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        سواء أوجبنا الحكم بينهم ، أم لا ، إنما نحكم بحكم الإسلام . وإذا تحاكموا في أنكحتهم ، فنقر ما نقره لو أسلموا ، ونبطل ما لا نقره لو أسلموا .

                                                                                                                                                                        فإذا نكح بلا ولي وشهود ، أو ثيبا بلا إذنها أو معتدة منقضية العدة عند الترافع وترافعا ، حكمنا بالتقرير والنفقة . فلو كانت بعد في العدة ، أبطلناه ولم نوجب نفقة . ولو نكح مجوسي محرما ، وترافعا في النفقة ، أبطلناه ولا نفقة . ولو طلبت مجوسية النفقة من الزوج المجوسي أو اليهودي ، فوجهان ، وكذا في تقريرهما على النكاح . أصحهما : التقرير والحكم بالنفقة ، كما لو أسلما والتزما الأحكام . ووجه المنع ، أنه لا يجوز نكاحها في الإسلام . ولو جاء كافر تحته أختان ، وطلبوا فرض النفقة ، قال الإمام : فيه تردد ، لأنا نحكم بصحة نكاحهما ، وإنما تندفع إحداهما بالإسلام . قال : والذي أدى القطع به المنع ، لقيام المانع ، وحيث لا نقرر في هذه الصور ، فهل يعرض القاضي المرفوع إليه عنهما ، أم يفرق بين الزوجين ؟ فيه وجهان . أصحهما عند الإمام : الإعراض ، وإنما يفرق إذا رضوا بحكمنا . ووجه التفريق ، أنهم بالترافع أظهروا ما يخالف الإسلام ، كما لو أظهروا الخمر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 156 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا التمسوا من حاكم المسلمين ابتداء نكاح ، أجاب إن كانت المرأة كتابية ولم يكن لها ولي كافر ، ولا يزوج إلا بشهود مسلمين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال المتولي : لو لم يترافع إلينا المجوس ، لكن علمنا فيهم من نكح محرما ، فالمشهور أنه لا يتعرض لهم . وحكى الزبيري قولا ، أن الإمام إذا عرف ذلك ، فرق بينهما كما لو عرف أن المجوسي نكح مسلمة أو مرتدة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية