الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث : في التساوي وبيان محل التفاضل .

                                                                                                                                                                        القسم المشروع للعدل ، فيحرم التفضيل وإن ترجحت إحداهما بشرف وغيره ، فتجب التسوية بين المسلمة والكتابية ، ولا يجوز التفضيل إلا بشيئين . أحدهما : الحرية ، فللحرة ضعف ما للأمة ، فدورهما أثلاث .

                                                                                                                                                                        فلو طرأ عتق الأمة ، فإما أن يكون الابتداء بالحرة ، وإما بالأمة .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : بالحرة . فإما أن تعتق في نوبة الحرة ، وإما في نوبتها .

                                                                                                                                                                        القسم الأول : في نوبة الحرة ، وهو ضربان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يعتق في القدر المشترك بين الحرة والأمة ، بأن عتقت في الليلة الأولى من ليلتي الحرة ، فيتم الليلة ويبيت الليلة الأخرى عند العتيقة ليسوي بينهما .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : عتقت في الليلة الثانية ، فلا يلزمه الخروج ، بل له أن يبيت عند الحرة بقية الليل ، لكن يبيت بعد ذلك عند العتيقة ليلتين . فلو خرج في الحال ، وكان بقية الليلة في مسجد أو بيت صديق ، لم يلزمه قضاء ما مضى من تلك الليلة . وإن خرج بقية الليلة إلى العتيقة ، فقد أحسن . [ ص: 353 ] القسم الثاني : تعتق في نوبة نفسها ، فإن عتقت قبل تمام ليلتها ، كمل لها ليلتين لالتحاقها بالحرة ، وحكى الحناطي وغيره وجها ، أنها لا تستحق إلا ليلة ، نظرا إلى الابتداء . وإن عتقت بعد تمام ليلتها ، لم تستحق إكمال ليلتين ، بل يقتصر في تلك النوبة على تلك الليلة ، ثم يسوي بينهما .

                                                                                                                                                                        وهل العتق في يومها التالي ليلتها كعتقها في ليلتها ؟ حكي عن إمام الحرمين فيه وجهان . أصحهما وهو الموافق لكلام الجمهور : المنع لأنه تابع .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : بدأ بالأمة فعتقت في نوبتها ، صارت كالحرة فيسوي بينهما وإن عتقت بعد تمام نوبتها ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يبيت عند الحرة ليلتين ، ثم يسوي بعد ذلك ، وبهذا قطع الإمام ، والمتولي ، والغزالي ، والسرخسي ، ومنع البغوي تكميل الليلتين وقال : إن عتقت في الأولى من ليلتي الحرة ، أتمها واقتصر عليها ، وإن عتقت في الثانية ، خرج من عندها في الحال . وعلى نحو هذا جرى الشيخ أبو حامد وأصحابه وصاحب " المهذب " .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر ابن كج والشيخ أبو الفرج وغيرهما ، أن الأمة إنما تستحق القسم إذا استحقت النفقة [ و ] في نص الشافعي رضي الله عنه إشارة إليه ، وقد بينا في " كتاب النكاح " متى تجب نفقتها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إسقاط حق القسم بهبته للزوج ، أو لضرة الأمة لا للسيد ؛ لأن معظم الحظ في القسم لها ، كما أن خيار العيب لها لا له .

                                                                                                                                                                        [ ص: 354 ] فرع

                                                                                                                                                                        ذكر المتولي ، أنه إذا قسم للحرة ليلتين ، ثم سافر السيد بالأمة ، لم يسقط حقها من القسم ، بل على الزوج قضاء ما فات عند التمكن ؛ لأن الفوات حصل بغير اختيارها فعذرت .

                                                                                                                                                                        السبب الثاني : تجدد النكاح ، وهو يقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت عند الزفاف ، وهي سبع ليال للبكر ، وثلاث للثيب ، للحديث الصحيح في ذلك ، ولتزول الحشمة بينهما ، وهذا التخصيص واجب على الزوج .

                                                                                                                                                                        وحكى الحناطي في وجوبه قولين . والمذهب الأول ، حتى قال المتولي : لو خرج بعض تلك الليالي بعذر ، أو أخرج ، قضى عند التمكن . وتجب الموالاة بين السبع والثلاث ؛ لأن الحشمة لا تزول بالمفرق .

                                                                                                                                                                        فلو فرق ، ففي الاحتساب به وجهان ذكرهما أبو الفرج الزاز . وظاهر كلام الجمهور المنع ، وذكر الزاز تفريعا عليه ، أنه يوفيها حقها متواليا ، ويقضي ما فرق للأخريات ، وسواء كانت ثيوبة الجديدة بنكاح أو زنا أو وطء شبهة .

                                                                                                                                                                        ولو حصلت بمرض أو وثبة ، فعلى الوجهين في استئذانها نطقا في النكاح . ولو كانت الجديدة أمة - ولا يتصور ذلك إلا في العبد ، فإن له نكاح أمة على حرة - فوجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : أنها كالحرة في استحقاق السبع والثلاث ؛ لأن المراد زوال الحشمة ، والأمة كالحرة فيه . والثاني : لها نصف ما للحرة كالقسم . وعلى هذا في صفة التنصيف وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : تجبر الكسر ، فللبكر أربع ، وللثيب ليلتان . وأصحهما وبه قطع البغوي : للبكر ثلاث [ ص: 355 ] ونصف ، وللثيب ليلة ونصف ، ثم الاعتبار بحال الزفاف . فلو نكحها وهي أمة ، وزفت إليه وهي حرة ، فلها حق الحرائر قطعا .

                                                                                                                                                                        وإن عتقت بعد الزفاف ، فلها حق الإماء . قال البغوي : ويحتمل أن يقال : لها حق الحرائر إذا عتقت في المدة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا وفى حق الزفاف من الثلاث أو السبع ، لم يقض للباقيات ، ويستحب أن يخير الثيب بين أن يقيم عندها ثلاثا بلا قضاء ، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضيهن للباقيات ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة رضي الله عنها . فإن اختارت السبع فأجابها ، قضى السبع للباقيات . وإن أقام بغير اختيارها ، لم يقض إلا الأربع الزائدة ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب .

                                                                                                                                                                        وحكي في " المهذب " فيما إذا أقام سبعا ، وجهين في أنه يقضي السبع ، أو أربعا ، هكذا أطلقه . فإن أراد : إذا التمسته ، حصل وجه أنه لا قضاء على خلاف المذهب .

                                                                                                                                                                        وإن أراد : إذا لم تلتمسه ، أو كلتا الحالتين ، حصل وجه أنه يجب القضاء ، وإن لم يختر على خلاف المذهب . ولو التمست أربعا ، أو خمسا ، أو ستا ، لم يقض إلا ما زاد على الثلاث . ولو التمست البكر عشرا ، لم يجبر إجابتها . فإن أجابها ، لم يقض إلا ما زاد على السبع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو وفى حق جديدة ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، فليس لها حق الزفاف ؛ لأنها باقية على النكاح الأول وقد وفى حقه . وإن أبانها ثم جدد نكاحها ، فقولان أو [ ص: 356 ] وجهان . أظهرهما : تجدد الحق . ويجري الخلاف فيما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها .

                                                                                                                                                                        أما لو أبانها قبل توفية حقها ثم نكحها ، فيلزمه التوفية بلا خلاف . ولو أقام عند البكر ثلاثا وافتضها ، ثم أبانها ثم نكحها ، فإن قلنا : يتجدد حق الزفاف ، بات عندها ثلاث ليال لأنه حق زفاف الثيب . وإن قلنا : لا يتجدد ، بات أربعا تتميما للزفاف الأول .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نكح جديدتين ، وفى لهما حق الزفاف ، وكذا لو لم يكن في نكاحه غيرهما . ثم إن زفتا على الترتيب ، أدى حق الأولى أولا . وإن زفتا معا وهو مكروه ، أقرع بينهما للابتداء ، فإذا خرجت قرعة إحداهما ، قدم الجميع السبع أو الثلاث .

                                                                                                                                                                        وحكى ابن كج وجها أنه يقدمها بليلة ثم يبيت عند الأخرى ليلة ، وهكذا يفعل إلى تمام المدة . وحكى البغوي في " الفتاوى " وجها ، أنهما إذا كانتا بكرين أو ثيبين ، فليس لهما حق الزفاف إن لم يكن في نكاحه غيرهما . فإن أراد أن يبيت عندهما ، لزمه التسوية . وإن كانت إحداهما بكرا والأخرى ثيبا ، خص البكر بأربع ، ثم يسوي ، وهذا ضعيف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في فتاوى البغوي ، أن حق الزفاف إنما يثبت إذا كان في نكاحه أخرى . [ ص: 357 ] فإن لم تكن ، أو كانت وكان لا يبيت عندها ، لم يثبت حق الزفاف للجديدة ، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجته أو زوجاته ابتداء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا كانت عنده نسوة فزفت إليه الجديدة بعدما سوى بينهن ، فيوفيها حقها ، ثم يستأنف القسم بين الجميع . وإن كان عنده زوجتان فزفت الجديدة بعدما قسم لإحداهما ليلة ، وفى حق الزفاف ، ثم يقسم للقديمة الأخرى ليلة ، ويبيت عند الجديدة نصف ليلة ؛ لأنها تستحق ثلث القسم ، ثم يخرج بقية الليلة إلى مسجد ونحوه ، ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ينبغي أن لا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الجماعات ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ، وإجابة الدعوات ، وسائر أعمال البر التي كان يقوم بها . هذا في النهار ، وأما في الليل ، فقالوا : لا يخرج لأن هذه مندوبات ، والمقام عندها واجب .

                                                                                                                                                                        قالوا : وفي دوام القسم ، يجب أن يسوي بينهن في الخروج إلى الجماعات وأعمال البر ، بأن يخرج في ليلة الجميع ، أو لا يخرج أصلا . فلو خرج في ليلة بعضهن فقط ، فحرام .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية