الطرف الثاني : في نكاح العبد وفيه مسائل .
إحداها : لزومهما في نكاح الحر . المهر والنفقة لازمان في نكاح العبد
وبما يتعلقان ؟ نظر هل العبد محجور عليه أم مأذون له في التجارة ؟ فهما حالان .
الأول : المحجور عليه ، فينظر ، أمكتسب هو أم لا ؟ إن كان مكتسبا تعلقا بكسبه ، ويتعلقان بالكسب العام كالاصطياد والاحتطاب وما يحصله بصنعة وحرفة ، وبالأكساب النادرة كالحاصلة بالوصية والهبة . وفي وجه : لا يتعلقان بالنادر . والصحيح الأول ، وإنما يتعلقان بما كسب بعد النكاح . فإن كان المهر مؤجلا ، لم يتعلقا إلا بما كسبه بعد حلول الأجل . وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة ؟ وجهان بناء على بيع المستأجر . إن جوزناه ، جاز ، وإلا ، فلا لئلا يمنع البيع على السيد . قال المتولي : والوجهان في إجارة العين . فأما إذا التزم عملا في الذمة ، فالمذهب جوازه ; لأنه دين في ذمته لا يمنع البيع .
[ ص: 225 ] وطريق الصرف إلى المهر والنفقة ، أن ينظر في الحاصل كل يوم فيؤدي منه النفقة إن وفى بها ، فإن فضل شيء صرف إلى المهر ، وهكذا كل يوم حتى يتم المهر ، فإذا تم ، صرف الفاضل عن النفقة إلى السيد ، ولا يدخر للنفقة .
وإن لم يكن مكتسبا ، فهو في ذمة العبد ، أم في رقبته ، أم على السيد ؟ فيه ثلاثة أقوال . أظهرها الأول . وطرد القاضي أبو حامد القول الثاني في المكتسب .
الحال الثاني : أن يكون مأذونا له في التجارة ، فالمهر والنفقة يتعلقان بربح ما في يده ; لأنه كسبه ، ويتعلقان برأس المال على الأصح . وفي الربح الذي يتعلقان به وجهان . أحدهما : الحاصل بعد النكاح فقط ، كما في كسب غير المأذون له . وأصحهما : يتعلق به وبالحاصل قبل النكاح أيضا ، هذا كله في المهر الذي تناوله الإذن . أما لو قدر السيد مهرا ، فزاد العبد ، فالزيادة لا تتعلق إلا بالذمة .
المسألة الثانية : يجب على السيد تخلية العبد بالليل للاستمتاع ، وله أن يستخدمه نهارا إذا تكفل بالمهر والنفقة ، وإلا فعليه أن يخليه ليكتسب . فإن استخدمه ولم يلتزم شيئا ، لزمه الغرم لما استخدمه . وفيما يغرمه وجهان . أصحهما : أقل الأمرين من أجرة المثل وكمال المهر والنفقة . والثاني : كمال المهر والنفقة . وعلى الوجهين في المراد بالنفقة وجهان . الصحيح : نفقة مدة الاستخدام . والثاني : نفقة مدة النكاح ما امتدت ; لأنه ربما كان يكسب ما يفي بجميع ذلك . ولو استخدمه أجنبي ، لم يلزمه إلا أجرة المثل ; لأنه لم يوجد منه إلا الإتلاف ، ولم يسبق منه ما سبق من السيد ، وهو الإذن المقتضي لالتزام مؤن النكاح .
[ ص: 226 ]
[ المسألة ] الثالثة : للسيد أن يسافر بالعبد وإن تضمن منعه من الاستمتاع ; لأنه مالك الرقبة ، كما يسافر بالأمة المزوجة ، ثم للعبد أن يسافر بزوجته معه . قال البغوي : ويكون الكراء في كسبه . فإن لم تخرج الزوجة معه ، أو كانت رقيقة فمنعها سيدها ، سقطت نفقتها . وإن لم يطالبها الزوج بالخروج ، فالنفقة بحالها ، والسيد يتكفل بها ، فإن لم يفعل ، ففيما يغرمه في مدة السفر الخلاف السابق . هذا هو المنقول في الطرق ، ونص عليه في " المختصر " . ونقل الإمام عن العراقيين ، أنه [ ليس ] للسيد استخدامه ، ولا أن يسافر به ما بقيت عليه مؤنة من مؤن النكاح ، وجعل المسألة ذات خلاف للأصحاب ، ولا يكاد يتحقق فيها خلاف .
فرع
أكثر ما ذكرناه في هذه المسائل متفرع على القول الجديد ، وهو أنه إذا أجرى النكاح بإذن السيد ، لا يصير ضامنا بالإذن للمهر والنفقة ; لأنه لم يلتزمه تصريحا و [ لا ] تعريضا . وقال في القديم : يصير ضامنا بالإذن ملتزما المهر والنفقة . واتفق الأصحاب على أن الجديد هو الأظهر . فعلى الجديد : لو أذن بشرط الضمان لم يصر ضامنا أيضا ; لأنه لا وجوب عند الإذن . وإذا قلنا بالقديم ، فهل يجب على السيد ابتداء ، أم يلاقي العبد ثم يحمل عنه السيد ؟ وجهان حكاهما أبو الفرج الزاز . فعلى الأول : لا تتوجه المطالبة إلا على السيد . ولو أبرأت العبد ، فهو لغو .
[ ص: 227 ] وعلى الثاني : تتوجه المطالبة عليهما ، ويصح إبراء العبد ، ويبرأ به السيد . وصحح أبو الفرج الوجه الثاني ، وقطع البغوي بالأول ، وكلام الإمام يقرب منه .
فرع
في فتاوى القاضي حسين ، أنه لو زوج أمته عبده ، فنفقة الأمة على السيد كنفقة العبد . فلو أعتقها السيد وأولادها ، سقطت نفقتهم عنه ، وتعلقت نفقتها بكسب العبد ، وعليها نفقة الأولاد إن كانت موسرة ، وإلا ففي بيت المال . ولو أعتق العبد دونها ، سقطت نفقتهما عنه ، وكانت نفقة الأمة على العتيق كحر تزوج أمة غيره .
المسألة الرابعة : هذا الذي سبق حكم المهر في النكاح الصحيح . وأما المهر في النكاح الفاسد ، فله صورتان .
إحداهما : إذا فسد نكاح العبد لجريانه بغير إذن سيده ، فرق بينه وبين المرأة ، فإن دخل بها قبل التفريق ، فلا حد للشبهة ، ويجب مهر المثل . وهل يتعلق بذمته لكونه وجب برضى مستحقه ، أم برقبته لأنه إتلاف ؟ فيه قولان . أظهرهما : الأول ، ومنهم من قطع به . وإن جرى النكاح بغير إذن مستحق المهر ، بأن نكح أمة بغير إذن سيدها ووطئها ، فطريقان . أحدهما : القطع بتعلقه بالرقبة ، وبه قال ابن الحداد ، كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا . والثاني : طرد القولين ; لأن المهر وإن كان لغيرها فيمكنها إسقاطه في الجملة بإرضاع أو ردة .
الثانية : أذن سيده في النكاح ، فنكح نكاحا فاسدا ودخل بها قبل التفريق [ ص: 228 ] فهل يتعلق المهر بذمته ، أم برقبته ، أم بكسبه ؟ أقوال . أظهرها الأول . ولو نكح بالإذن صحيحا ، لكن فسد المهر ، قال الصيدلاني : تعلق مهر المثل بالكسب قطعا . ولو صرح بالإذن في نكاح فاسد ووجب مهر المثل ، فقياس هذه الصور تعلقه بالكسب .
فرع
في فتاوى القاضي حسين أنه لو اختلف السيد والعبد في الإذن في النكاح ، فقال السيد : ما أذنت ، فالوجه أن تدعي المرأة على السيد أن كسب هذا العبد مستحق لي لمهري ونفقتي ليسمع القاضي البينة .