المسألة الخامسة : إذا وقال : تزوجتها تزوجا صحيحا ، فإن . لم يعهد السيد ما ادعاه ولا بينة ، فالقول قول الزوج بيمينه ; لأن الظاهر صحة النكاح . وكذا لو قال : زوجتها وأنا محرم ، أو قال : لم تكن ملكي يومئذ ثم ملكتها ، وكذا الحكم لو باع عبدا ثم قال بعد البيع : بعته وأنا محجور علي ، أو لم يكن ملكي ثم ملكته . وعن نصه في " الإملاء " أنه لو زوج أخته ومات الزوج ، فادعى ورثته أن أخاها زوجها بغير إذنها وقالت : بل زوجني بإذني ، فالقول قولها . ولك أن تقول : قد سبق ذكر وجهين فيما لو ادعى أحد المتعاقدين صحة البيع والآخر فساده ، فليجئ ذلك الخلاف في هذه الصورة . زوج أمته ثم قال : كنت مجنونا أو محجورا علي وقت تزويجها ، وأنكر الزوج
قلت : لم يذكره الأصحاب في هذه الصورة ، ولا يصح مجيئه لأن الظاهر الغالب في الأنكحة الاحتياط لها ، وعقدها بشروطها وبحضرة الشهود وغيرهم ، بخلاف البيع فإن وقوعه فاسد كثير . والله أعلم .
ولو ادعت المنكوحة أنها زوجت بغير إذنها وهي معتبرة الإذن ، ففي فتاوى البغوي أنه لا يقبل قولها بعد ما دخلت عليه وأقامت معه ، كأنه جعل الدخول بمنزلة الرضى .
[ ص: 246 ] أما إذا عهد للسيد المزوج جنون ، أو حجر ، أو قال : زوجتها وأنا صبي ، فأيهما يصدق بيمينه ؟ قولان خرجهما الشيخ أبو زيد . أظهرهما عند الشيخ أبي علي وغيره : أن المصدق الزوج ; لأن الغالب جريان العقد صحيحا ، ولأنه صح ظاهرا والأصل دوامه .
ولو زوج أخته برضاها ، ثم ادعت أنها كانت صغيرة يومئذ ، ففي فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي ، أن القول قولها بيمينها وإن أقرت يومئذ ببلوغها ، كما لو أقر بمال ثم قال : كنت صغيرا يوم الإقرار ، وهذا يمكن أن يكون تفريعا على أحد القولين ويمكن أن يفرق بأن الغالب من العقد الجاري بين مسلمين ، صحته وهذه لم تعقد .
ولو وكل الولي بتزويجها ، ثم أحرم ، وجرى العقد ، فادعى الولي جريانه في الإحرام ، وأنكر الزوج ، فنص - رحمه الله ، أن القول قول الزوج عملا بظاهر الصحة . ولم يحك الشافعي الشيخ أبو علي خلافا في هذه الصورة . قال الإمام : وسببه أن الإحرام طرأ والأصل استناد العقد إلى الحل ، لكن الشيخ ألحق بمسألة الإحرام المنقولة عن النص ، ما إذا وكل بقبول نكاح ثم أحرم الموكل وقبل الوكيل ، ثم اختلف الزوجان ، فقال الزوج : عقد قبل إحرامي [ أو بعده ] أو بعد [ ص: 247 ] تحللي ، وقالت : بل في حال إحرامك ، فالقول قول الزوج ، فلم يفرق بين أن يدعي سبق الإحرام النكاح وعكسه . ومقتضى ما سبق في المسألة الرابعة ، أن الولي إذا زوج ثم ادعى المحرمية بين الزوجين ، لا يلتفت إلى دعواه أن لا يفرض النزاع في مسألة النص بين الولي والزوج ، بل يفرض بين الزوجين .
ولو زوج أمته ، ثم ادعى أن الزوج كان واجدا للطول ، وأنكر الزوج صدق الزوج . ولو زوج بنته ومات ، فادعت أن أباها كان مجنونا يوم العقد ، نظر ، هل كان التزويج برضاها أم بغيره ؟ وحكمه ما سبق في المسألة الرابعة .
فرع
، قال ادعى نكاح امرأة وأقام بينة به ، ثم ادعت أنها زوجة غيره وأقامت بينة به ابن الحداد : يعمل ببينة الرجل ; لأن حقه في النكاح أقوى منها ، فإن المتصرف إن شاء أمسكها ، وإن شاء طلق ، فقدمت بينته كصاحب اليد مع غيره ، هذا قول ابن الحداد ، وبه قال الجمهور . وقال الشيخ أبو علي : يحتمل أن ينظر في جواب من ادعت أنها زوجته ، فإن أنكر فلا نكاح له ، فيعمل ببينة الرجل .
وإن سكت ، فهما بينتان تعارضتا ، ولم يتعرضوا في تصوير المسألة لدعواها المهر ، أو حقا من حقوق النكاح ، وقد سبق في سماع دعوى الزوجية المجردة خلاف . فإن سمعت وأنكر الزوج ، ففي إقامة البينة أيضا خلاف . فإذا ادعت الزوجية المجردة ، فإنما تقيم [ هي ] البينة تفريعا على سماع هذه الدعوى والبينة مع إنكاره .
[ ص: 248 ] فرع
في فتاوى البغوي أنه إذا كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما ، فقال للمسلمة : ارتددت ، وقال للذمية : أسلمت ، فأنكرتا ، ارتفع نكاحهما لزعمه . وذكر الإمام الرافعي هنا مسائل منثورة من فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي ، تتعلق بأبواب النكاح قدمتها أنا فوضعتها في مواضعها اللائقة بها ، وبالله التوفيق .