الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثالث من الجملة الثانية

في القبلة .

اتفق المسلمون على أن التوجه نحو البيت شرط من شروط صحة الصلاة لقوله تعالى : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ) أما إذا أبصر البيت ، فالفرض عندهم هو التوجه إلى عين البيت ، ولا خلاف في ذلك .

وأما إذا غابت الكعبة عن الأبصار فاختلفوا من ذلك في موضعين : أحدهما : هل الفرض هو العين أو الجهة ؟ والثاني : هل فرضه الإصابة أو الاجتهاد : ( أعني إصابة الجهة أو العين عند من أوجب العين ) ؟ [ ص: 96 ] [ المسألة الأولى ]

[ هل الفرض هو العين أو الجهة ]

فذهب قوم إلى أن الفرض هو العين ، وذهب آخرون إلى أنه الجهة .

والسبب في اختلافهم : هل في قوله تعالى : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) محذوف حتى يكون تقديره : ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام أم ليس ههنا محذوف أصلا ، وأن الكلام على حقيقته ؟ فمن قدر هنالك محذوفا قال : الفرض الجهة ، ومن لم يقدر هنالك محذوفا قال : الفرض العين ، والواجب حمل الكلام على الحقيقة حتى يدل الدليل على حمله على المجاز ، وقد يقال : إن الدليل على تقدير هذا المحذوف قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه نحو البيت " قالوا : واتفاق المسلمين على الصف الطويل خارج الكعبة يدل على أن الفرض ليس هو العين ( أعني : إذا لم تكن الكعبة مبصرة ) .

والذي أقوله : إنه لو كان واجبا قصد العين لكان حرجا ، وقد قال تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) فإن إصابة العين شيء لا يدرك إلا بتقريب وتسامح بطريق الهندسة واستعمال الأرصاد في ذلك ، فكيف بغير ذلك من طرق الاجتهاد ، ونحن لم نكلف الاجتهاد فيه بطريق الهندسة المبني على الأرصاد المستنبط منها طول البلاد وعرضها .

التالي السابق


الخدمات العلمية