الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة السابعة

[ التشهد ]

اختلفوا في وجوب التشهد ، وفي المختار منه ، فذهب مالك ، وأبو حنيفة ، وجماعة إلى أن التشهد ليس بواجب ، وذهبت طائفة إلى وجوبه ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وداود .

وسبب اختلافهم : معارضة القياس لظاهر الآثار ، وذلك أن القياس يقتضي إلحاقه بسائر الأركان التي ليست بواجبة في الصلاة ، لاتفاقهم على وجوب القرآن ، وأن التشهد ليس بقرآن فيجب .

وحديث ابن عباس أنه قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن " يقتضي وجوبه مع أن الأصل عند هؤلاء أن أفعاله وأقواله في الصلاة يجب أن تكون محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على خلاف ذلك ، والأصل عند غيرهم على خلاف هذا ، وهو أن ما ثبت وجوبه في الصلاة مما اتفق عليه أو صرح بوجوبه ، فلا يجب أن يلحق به إلا ما صرح به ونص عليه ، فهما كما ترى أصلان متعارضان .

وأما المختار من التشهد ، فإن مالكا - رحمه الله - اختار تشهد عمر رضي الله عنه الذي كان يعلمه الناس على المنبر ، وهو : " التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " .

[ ص: 111 ] واختار أهل الكوفة أبو حنيفة ، وغيره تشهد عبد الله بن مسعود .

قال أبو عمر : وبه قال أحمد ، وأكثر أهل الحديث ، لثبوت نقله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو : " التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " واختار الشافعي ، وأصحابه تشهد عبد الله بن عباس الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، فكان يقول " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله "

وسبب اختلافهم : اختلاف ظنونهم في الأرجح منها ، فمن غلب على ظنه رجحان حديث ما من هذه الأحاديث الثلاثة مال إليه ، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير كالأذان ، والتكبير على الجنائز وفي العيدين وفي غير ذلك مما تواتر نقله ، وهو الصواب والله أعلم .

وقد اشترط الشافعي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد وقال : إنها فرض لقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ذهب إلى أن هذا التسليم هو التسليم من الصلاة ، وذهب الجمهور إلى أنه التسليم الذي يؤتى به عقب الصلاة عليه ، وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب أن يتعوذ المتشهد من الأربع التي جاءت في الحديث من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات ; لأنه ثبت " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ منها في آخر تشهده " وفي بعض طرقه " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ من أربع " الحديث خرجه مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية