[ الموضع الخامس ]  
[ مدة القصر ]  
وأما اختلافهم في  الزمان الذي يجوز للمسافر إذا قام فيه في بلد أن يقصر   فاختلاف كثير حكى فيه  أبو عمر  نحوا من أحد عشر قولا ، إلا أن الأشهر منها هو ما عليه فقهاء الأمصار ، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال : أحدها : مذهب  مالك  ،   والشافعي  إنه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيام أتم . والثاني : مذهب  أبي حنيفة  ،   وسفيان الثوري  أنه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم .  
والثالث : مذهب  أحمد  ،  وداود  أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم .  
وسبب الخلاف : أنه أمر مسكوت عنه في الشرع والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع ، ولذلك رام هؤلاء كلهم أن يستدلوا لمذهبهم من الأحوال التي نقلت عنه - عليه الصلاة والسلام -  أنه أقام فيها مقصرا  ، أو  أنه جعل لها حكم المسافر     .  
فالفريق الأول : احتجوا لمذهبهم بما روي " أنه - عليه الصلاة والسلام -  أقام بمكة ثلاثا يقصر في عمرته     " ، وهذا ليس فيه حجة على أنه النهاية للتقصير ، وإنما فيه حجة على أنه يقصر في الثلاثة فما دونها .  
 [ ص: 144 ] والفريق الثاني : احتجوا لمذهبهم بما روي  أنه أقام  بمكة   مقصرا  ، وذلك نحوا من خمسة عشر يوما في بعض الروايات ، وقد روي سبعة عشر يوما ، وثمانية عشر يوما وتسعة عشر يوما ، رواه   البخاري  عن   ابن عباس  ، وبكل قال فريق .  
والفريق الثالث : احتجوا بمقامه في حجه  بمكة   مقصرا أربعة أيام ، وقد احتجت المالكية لمذهبها "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للمهاجر ثلاثة أيام  بمكة   مقام بعد قضاء نسكه     " فدل هذا عندهم على أن إقامة ثلاثة أيام ليست تسلب عن المقيم فيها اسم السفر ، وهي النكتة التي ذهب الجميع إليها ، وراموا استنباطها من فعله - عليه الصلاة والسلام ( أعني : متى يرتفع عنه بقصد الإقامة اسم السفر ) ولذلك اتفقوا على أنه إن كانت الإقامة مدة لا يرتفع فيها عنه اسم السفر بحسب رأي واحد منهم في تلك المدة ، وعاقه عائق عن السفر أنه يقصر أبدا ، وإن أقام ما شاء الله .  
ومن راعى الزمان الأقل من مقامه تأول مقامه في الزمان الأكثر مما ادعاه خصمه على هذه الجهة ; فقالت المالكية مثلا إن الخمسة عشر يوما التي أقامها - عليه الصلاة والسلام : - عام الفتح إنما أقامها ، وهو أبدا ينوي أنه لا يقيم أربعة أيام ، وهذا بعينه يلزمهم في الزمان الذي حدوه ، والأشبه في المجتهد في هذا أن يسلك أحد أمرين : إما أن يجعل الحكم لأكثر الزمان الذي روي عنه - عليه الصلاة والسلام -  أنه أقام فيه مقصرا  ، ويجعل ذلك حدا من جهة أن الأصل هو الإتمام ، فوجب ألا يزاد على هذا الزمان إلا بدليل ، أو يقول إن الأصل في هذا هو أقل الزمان الذي وقع عليه الإجماع ، وما ورد من أنه - عليه الصلاة والسلام -  أقام مقصرا أكثر من ذلك الزمان  ، فيحتمل أن يكون أقامه لأنه جائز للمسافر ، ويحتمل أن يكون أقامه بنية الزمان الذي تجوز إقامته فيه مقصرا باتفاق ، فعرض له أن قام أكثر من ذلك ، وإذا كان الاحتمال وجب التمسك بالأصل ، وأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة ، وهو قول   ربيعة بن أبي عبد الرحمن     .  
وروي  عن   الحسن البصري  أن المسافر يقصر أبدا إلا أن يقدم مصرا من الأمصار  ، وهذا بناء على أن اسم السفر واقع عليه حتى يقدم مصرا من الأمصار ، فهذه أمهات المسائل التي تتعلق بالقصر .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					