الباب الرابع
في ركعتي دخول المسجد
والجمهور على أن مندوب إليها من غير إيجاب ، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبها . ركعتي دخول المسجد
وسبب الخلاف في ذلك : هل الأمر في قوله - عليه الصلاة والسلام - : " محمول على الندب أو على الوجوب ، فإن الحديث متفق على صحته . " إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين
فمن تمسك في ذلك بما اتفق عليه الجمهور من أن الأصل هو حمل الأوامر المطلقة على الوجوب حتى يدل الدليل على الندب ، ولم ينقدح عنده دليل ينقل الحكم من الوجوب إلى الندب قال : الركعتان واجبتان .
ومن انقدح عنده دليل على حمل الأوامر هاهنا على الندب ، أو كان الأصل عنده في الأوامر أن تحمل على الندب حتى يدل الدليل على الوجوب ( فإن هذا قد قال به قوم ) قال : الركعتان غير واجبتين . لكن الجمهور إنما ذهبوا إلى حمل الأمر هاهنا على الندب لمكان التعارض الذي بينه وبين الأحاديث التي تقتضي بظاهرها أو بنصها أن لا صلاة مفروضة إلا الصلوات الخمس التي ذكرناها في صدر هذا الكتاب ، مثل حديث الأعرابي وغيره ، وذلك أنه إن حمل الأمر هاهنا على الوجوب لزم أن تكون المفروضات أكثر من خمس ، ولمن أوجبها أن الوجوب هاهنا إنما هو متعلق بدخول المسجد لا مطلقا ، كالأمر بالصلوات المفروضة . وللفقهاء أن تقييد وجوبها بالمكان شبيه وجوبها بالزمان . ولأهل الظاهر أن المكان المخصوص ليس من شرط صحة الصلاة ، والزمان من شرط صحة الصلاة المفروضة .
واختلف العلماء من هذا الباب فيمن جاء بالمسجد وقد ركع ركعتي الفجر في بيته ، هل يركع عند دخوله المسجد أم لا ؟ فقال : يركع ، وهي رواية الشافعي أشهب عن مالك . وقال أبو حنيفة : لا يركع ، وهي رواية ابن القاسم عن مالك .
وسبب اختلافهم : معارضة عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : " . وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين " " فها هنا عمومان وخصوصان : أحدهما : في الزمان ، والآخر : في الصلاة . وذلك أن حديث الأمر بالصلاة عند دخول المسجد عام في الزمان ، خاص في الصلاة ، والنهي عن الصلاة بعد الفجر إلا ركعتا الصبح خاص في الزمان عام في [ ص: 176 ] الصلاة ، فمن استثنى خاص الصلاة من عامها رأى الركوع بعد ركعتي الفجر ، ومن استثنى خاص الزمان من عامه لم يوجب ذلك . لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الصبح
وقد قلنا : إن مثل هذا التعارض إذا وقع فليس يجب أن يصار إلى أحد التخصيصين إلا بدليل ، وحديث النهي لا يعارض به حديث الأمر الثابت - والله أعلم - ، فإن ثبت الحديث وجب طلب الدليل من موضع آخر .