المسألة الثالثة  
[  عدد الغسل      ]  
اختلفوا في التوقيت في الغسل : فمنهم من أوجبه ، ومنهم من استحسنه واستحبه . والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر ، أي وتر كان ، وبه قال   ابن سيرين     . ومنهم من أوجب الثلاثة فقط ، وهو  أبو حنيفة     . ومنهم من حد أقل الوتر في ذلك فقال : لا ينقص عن الثلاثة ، ولم يحد الأكثر ، وهو   الشافعي     . ومنهم من حد الأكثر في ذلك فقال : لا يتجاوز به السبعة ، وهو   أحمد بن حنبل     . وممن قال باستحباب الوتر ولم يحد فيه حدا   مالك بن أنس  وأصحابه .  
وسبب الخلاف بين من شرط التوقيت ومن لم يشترطه بل استحبه : معارضة القياس للأثر ، وذلك أن ظاهر حديث   أم عطية  يقتضي التوقيت ، لأن فيه : "  اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن " وفي بعض رواياته : " أو سبعا     " .  
وأما قياس الميت على الحي في الطهارة فيقتضي أن لا توقيت فيها كما ليس في طهارة الحي توقيت . فمن رجح الأثر على النظر قال بالتوقيت . ومن رأى الجمع بين الأثر والنظر حمل التوقيت على الاستحباب .  
وأما الذين اختلفوا في التوقيت ، فسبب اختلافهم ألفاظ الروايات في ذلك عن   أم عطية     .  
فأما   الشافعي     : فإنه رأى أن لا ينقص عن ثلاثة ، لأنه أقل وتر نطق به في حديث   أم عطية  ، ورأى أن ما فوق ذلك مباح لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "  أو أكثر من ذلك إن رأيتن     " .  
وأما  أحمد     : فأخذ بأكثر وتر نطق به في بعض روايات الحديث ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " أو سبعا " .  
وأما  أبو حنيفة  فصار في قصره الوتر على الثلاث لما روي  أن   محمد بن سيرين  كان يأخذ الغسل عن   أم عطية     : " ثلاثا ، يغسل بالسدر مرتين ، والثالثة بالماء والكافور     " . وأيضا فإن الوتر الشرعي عنده إنما ينطلق على الثلاث فقط .  
وكان  مالك  يستحب أن يغسل في الأولى بالماء القراح ، وفي الثانية بالسدر ، وفي الثالثة بالماء والكافور .  
واختلفوا إذا خرج من بطنه حدث هل يعاد غسله أم لا ؟ فقيل : لا يعاد ، وبه قال  مالك  ، وقيل يعاد . والذين رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب به الإعادة إن تكرر خروج الحدث ، فقيل يعاد الغسل عليه واحدة ، وبه قال   الشافعي     . وقيل : يعاد ثلاثا . وقيل : يعاد سبعا . وأجمعوا على أنه لا يزاد على السبع شيء .  
 [ ص: 194 ] واختلفوا في  تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره   ، فقال قوم : تقلم أظفاره ويؤخذ منه . وقال قوم : لا تقلم أظفاره ولا يؤخذ من شعره وليس فيه أثر .  
وأما سبب الخلاف في ذلك ، فالخلاف الواقع في ذلك في الصدر الأول ، ويشبه أن يكون سبب الخلاف في ذلك قياس الميت على الحي ، فمن قاسه أوجب تقليم الأظفار وحلق العانة لأنها من سنة الحي باتفاق .  
وكذلك اختلفوا في  عصر بطنه قبل أن يغسل      . فمنهم من رأى ذلك ، ومنهم من لم يره . فمن رآه رأى أن فيه ضربا من الاستنقاء من الحدث عند ابتداء الطهارة ، وهو مطلوب من الميت كما هو مطلوب من الحي . ومن لم ير ذلك رأى أنه من باب تكليف ما لم يشرع ، وأن الحي في ذلك بخلاف الميت .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					