القسم الثاني من الصوم المفروض
وهو الكلام في الفطر وأحكامه
على ثلاثة أقسام : والمفطرون في الشرع
[ ص: 246 ] صنف يجوز له الفطر والصوم بإجماع .
وصنف يجب عليه الفطر على اختلاف في ذلك بين المسلمين .
وصنف لا يجوز له الفطر .
وكل واحد من هؤلاء تتعلق به أحكام :
أما الذين يجوز لهم الأمران : فالمريض باتفاق ، والمسافر باختلاف ، والحامل والمرضع والشيخ الكبير . وهذا التقسيم كله مجمع عليه .
فأما المسافر فالنظر فيه في مواضع منها :
هل إن صام أجزأه صومه أم ليس يجزيه ؟ .
وهل إن كان يجزي المسافر صومه الأفضل له الصوم أو الفطر أو هو مخير بينهما ؟
وهل الفطر الجائز له هو في سفر محدود أم في كل ما ينطلق عليه اسم السفر في وضع اللغة ؟
ومتى يفطر المسافر ؟ ومتى يمسك ؟
وهل إذا مر بعض الشهر له أن ينشئ السفر أم لا ؟ ثم إذا أفطر ما حكمه ؟
وأما المريض فالنظر فيه أيضا في تحديد المرض الذي يجوز له فيه الفطر وفي حكم الفطر .
[ المسألة الأولى ]
[ إن صام المريض والمسافر هل يجزيه صومه ؟ ]
أما المسألة الأولى : وهي إن أم لا ؟ فإنهم اختلفوا في ذلك : فذهب الجمهور إلى أنه إن صام وقع صيامه وأجزأه . وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا يجزيه وأن فرضه هو أيام أخر . صام المريض والمسافر هل يجزيه صومه عن فرضه
والسبب في اختلافهم : تردد قوله - تعالى - : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) بين أن يحمل على الحقيقة فلا يكون هنالك محذوف أصلا ، أو يحمل على المجاز فيكون التقدير : فأفطر فعدة من أيام أخر ، وهذا الحذف في الكلام هو الذي يعرفه أهل صناعة الكلام بلحن الخطاب . فمن حمل الآية على الحقيقة ولم يحملها على المجاز قال : إن فرض المسافر عدة من أيام أخر لقوله - تعالى - ( فعدة من أيام أخر ) ومن قدر ( فأفطر ) قال : إنما فرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر . وكلا الفريقين يرجح تأويله بالآثار الشاهدة لكلا المفهومين . وإن كان الأصل هو أن يحمل الشيء على الحقيقة حتى يدل الدليل على حمله على المجاز .
أما الجمهور فيحتجون لمذهبهم بما ثبت من حديث أنس قال : " " . وبما ثبت عنه أيضا أنه قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم . سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
فأهل الظاهر يحتجون لمذهبهم بما ثبت عن : " ابن عباس " . وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر [ ص: 247 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : وهذا يدل على نسخ الصوم . قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فأفطر الناس أبو عمر : والحجة على أهل الظاهر إجماعهم على أن المريض إذا صام أجزأه صومه .