وأما فليس لأكثره عندهم حد واجب ، وإن كان كلهم يختار العشر الأواخر من رمضان بل يجوز الدهر كله ، إما مطلقا عند من لا يرى الصوم من شروطه ، وإما ما عدا الأيام التي لا يجوز صومها عند من يرى الصوم من شروطه . زمان الاعتكاف
وأما أقله : فإنهم اختلفوا فيه ، وكذلك اختلفوا في الوقت الذي يدخل فيه المعتكف لاعتكافه ، وفي الوقت الذي يخرج فيه منه . أما ، فعند أقل زمان الاعتكاف الشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء أنه لا حد له .
واختلف عن مالك في ذلك فقيل : ثلاثة أيام ، وقيل يوم وليلة . وقال ابن القاسم عنه : أقله عشرة أيام ، وعند البغداديين من أصحابه أن العشرة استحباب ، وأن أقله يوم وليلة .
والسبب في اختلافهم معارضة القياس للأثر :
أما القياس : فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال : لا يجوز اعتكاف ليلة ، وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فلا أقل من يوم وليلة ، إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون بالليل .
وأما الأثر المعارض : فما خرجه من " البخاري عمر - رضي الله عنه - نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفي بنذره " . ولا معنى للنظر مع الثابت من مذهب الأثر . أن
وأما اختلافهم في الوقت الذي يدخل فيه المعتكف إلى اعتكافه إذا نذر أياما معدودة أو يوما واحدا : فإن مالكا والشافعي وأبا حنيفة اتفقوا على أنه من نذر اعتكاف شهر أنه يدخل المسجد قبل غروب الشمس .
وأما من نذر أن يعتكف يوما فإن قال : من أراد أن يعتكف يوما واحدا دخل قبل طلوع الفجر ، وخرج بعد غروبها . وأما الشافعي مالك فقوله في اليوم والشهر واحد بعينه .
وقال زفر والليث : يدخل قبل طلوع الفجر ، واليوم والشهر عندهما سواء .
وفرق بين نذر الليالي والأيام فقال : إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام دخل قبل طلوع الفجر ، وإذا نذر عشر ليالي دخل قبل غروبها . أبو ثور
وقال : يدخل في اعتكافه بعد صلاة الصبح . الأوزاعي
والسبب في اختلافهم : معارضة الأقيسة بعضها بعضا ، ومعارضة الأثر لجميعها; وذلك أنه من رأى أن أول الشهر ليلة واعتبر الليالي قال : يدخل قبل مغيب الشمس ، ومن لم يعتبر الليالي قال : يدخل قبل الفجر .
ومن رأى أن اسم اليوم يقع على الليل والنهار معا أوجب إن نذر يوما أن يدخل قبل غروب الشمس ، ومن رأى أنه إنما ينطلق على النهار أوجب الدخول قبل طلوع الفجر ، ومن رأى أن اسم اليوم خاص بالنهار واسم الليل بالليل فرق بين أن ينذر أياما أو ليالي .
والحق أن اسم اليوم في كلام العرب قد يقال على النهار مفردا ، وقد يقال على الليل والنهار معا ، لكن يشبه أن يكون دلالته الأولى إنما هي على النهار ، ودلالته على الليل بطريق اللزوم .
وأما الأثر المخالف لهذه الأقيسة كلها : فهو ما خرجه وغيره من أهل الصحيح عن البخاري عائشة [ ص: 263 ] قالت : " " . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي كان يعتكف فيه
وأما وقت خروجه : فإن مالكا رأى على جهة الاستحباب ، وأنه إن خرج بعد غروب الشمس أجزأه . وقال أن يخرج المعتكف العشر الأواخر من رمضان من المسجد إلى صلاة العيد الشافعي وأبو حنيفة : بل يخرج بعد غروب الشمس . وقال سحنون : إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه . وابن الماجشون
وسبب الاختلاف : هل الليلة الباقية هي من حكم العشر أم لا ؟ .