الفصل الثاني
في معرفة الأيمان اللغوية والمنعقدة .
واتفقوا أيضا على أن الأيمان منها لغو ومنها منعقدة ، لقوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) .
واختلفوا في ما هي اللغو ؟ فذهب مالك ، وأبو حنيفة إلى أنها اليمين على الشيء ; يظن الرجل أنه على يقين منه فيخرج الشيء على خلاف ما حلف عليه .
وقال الشافعي : لغو اليمين ما لم تنعقد عليه النية ، مثل ما جرت به العادة من قول الرجل في أثناء المخاطبة : لا والله ، لا بالله ، مما يجري على الألسنة بالعادة من غير أن يعتقد لزومه ، وهذا القول رواه مالك في الموطأ عن عائشة ، والقول الأول مروي عن الحسن بن أبي الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي .
وفيه قول ثالث : وهو أن يحلف الرجل وهو غضبان ، وبه قال إسماعيل القاضي من أصحاب مالك .
وفيه قول رابع : وهو الحلف على المعصية ، وروي عن ابن عباس .
وفيه قول خامس : وهو أن يحلف الرجل على أن لا يأكل شيئا مباحا له بالشرع .
والسبب في اختلافهم في ذلك هو : الاشتراك الذي في اسم اللغو ، وذلك أن اللغو قد يكون الكلام الباطل مثل قوله تعالى ( والغوا فيه لعلكم تغلبون ) .
وقد يكون الكلام الذي لا تنعقد عليه نية المتكلم به ، ويدل على أن اللغو في الآية هو هذا ، أن هذه اليمين هي ضد اليمين المنعقدة وهي المؤكدة ، فوجب أن يكون الحكم المضاد للشيء المضاد .
والذين قالوا : إن اللغو هو الحلف في إغلاق ; أو الحلف على ما لا يوجب الشرع فيه شيئا بحسب ما يعتقد في ذلك قوم ; فإنما ذهبوا إلى أن اللغو هاهنا يدل على معنى عرفي في الشرع ، وهي الأيمان التي بين الشرع في مواضع أخر سقوط حكمها مثل ما روي أنه : " لا طلاق في إغلاق " وما أشبه ذلك ، لكن الأظهر هما القولان الأولان ( أعني : قول مالك والشافعي ) .


