الفصل الثاني في الاستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي لا يشترط
وأما ما يعتبر ذلك فيه مما لا يعتبر ، فإن العقود تنقسم أولا إلى قسمين : قسم يكون بمعاوضة ، وقسم يكون بغير معاوضة كالهبات والصدقات .
والذي يكون بمعاوضة ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : يختص بقصد المعاينة والمكايسة ، وهي البيوع ، والإجارات ، والمهور ، والصلح ، والمال المضمون بالتعدي وغيره . [ ص: 513 ] والقسم الثاني : لا يختص بقصد المغابنة ، وإنما يكون على جهة الرفق وهو القرض . والقسم الثالث : فهو ما يصح أن يقع على الوجهين جميعا ( أعني : على قصد المغابنة ، وعلى قصد الرفق ) ، كالشركة ، والإقالة ، والتولية .
وتحصيل أقوال العلماء في هذه الأقسام : أما ما كان بيعا وبعوض فلا خلاف في اشتراط القبض فيه ، وذلك في الشيء الذي يشترط فيه القبض واحد واحد من العلماء . وأما ما كان خالصا للرفق ( أعني : القرض ) ، فلا خلاف أيضا أن القبض ليس شرطا في بيعه ( أعني : أنه يجوز للرجل أن يبيع القرض قبل أن يقبضه ) . واستثنى أبو حنيفة مما يكون بعوض المهر ، والخلع ، فقال : يجوز بيعهما قبل القبض . وأما العقود التي تتردد بين قصد الرفق والمغابنة ( وهي التولية ، والشركة ، والإقالة ) ، فإذا وقعت على وجه الرفق من غير أن تكون الإقالة ، أو التولية بزيادة أو نقصان ، فلا خلاف أعلمه في المذهب أن ذلك جائز قبل القبض وبعده ، وقال أبو حنيفة ، : لا تجوز الشركة ، ولا التولية قبل القبض ، وتجوز الإقالة عندهما لأنها قبل القبض فسخ بيع لا بيع . والشافعي
فعمدة من اشترط القبض في جميع المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنه ، وإنما استثنى مالك من ذلك التولية ، والإقالة ، والشركة للأثر والمعنى . أما الأثر فما رواه من مرسل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " من سعيد بن المسيب ) . وأما من طريق المعنى : فإن هذه إنما يراد بها الرفق لا المغابنة إذا لم تدخلها زيادة أو نقصان ، وإنما استثنى من ذلك ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ، إلا ما كان من شركة ، أو تولية ، أو إقالة أبو حنيفة الصداق ، والخلع ، والجعل ، لأن العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا .