الباب الثالث
وهو معرفة أحكام الحيض والاستحاضة .
والأصل في هذا الباب قوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض ) الآية ، والأحاديث الواردة في ذلك التي سنذكرها .
واتفق المسلمون على أن ووجوبها ( أعني أنه ليس يجب على الحائض قضاؤها بخلاف الصوم ) والثاني أنه يمنع الحيض يمنع أربعة أشياء : أحدها : فعل الصلاة لا قضاءه ، وذلك لحديث فعل الصوم عائشة الثابت أنها قالت : " " وإنما قال بوجوب القضاء عليها طائفة من الخوارج ، والثالث - فيما أحسب - كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ؛ لحديث الطواف عائشة الثابت حين أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفعل كل ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت . والرابع : لقوله تعالى : ( الجماع في الفرج فاعتزلوا النساء في المحيض ) الآية .
[ ص: 52 ] واختلفوا من أحكامها في مسائل نذكر منها مشهوراتها ، وهي خمس :
المسألة الأولى
[ ] مباشرة الحائض
اختلف الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها ، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : له منها ما فوق الإزار فقط .
وقال سفيان الثوري : إنما يجب عليه أن يجتنب موضع الدم فقط . وداود الظاهري
وسبب اختلافهم ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك ، والاحتمال الذي في مفهوم آية الحيض ، وذلك أنه ورد في الأحاديث الصحاح عن عائشة ، وميمونة ، وأم سلمة ، وورد أيضا من حديث أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضا أن تشد عليها إزارها ، ثم يباشرها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ثابت بن قيس " وذكر اصنعوا كل شيء بالحائض إلا النكاح أبو داود عن عائشة . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها ، وهي حائض " اكشفي عن فخذك ، قالت : فكشفت ، فوضع خده وصدره على فخذي ، وحنيت عليه حتى دفئ ، وكان قد أوجعه البرد
وأما الاحتمال الذي في آية الحيض ، فهو تردد قوله تعالى : ( قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) بين أن يحمل على عمومه إلا ما خصصه الدليل ، أو أن يكون من باب العام أريد به الخاص ، بدليل قوله تعالى فيه : ( قل هو أذى ) والأذى إنما يكون في موضع الدم ، فمن كان المفهوم منه عنده العموم ( أعني أنه إذا كان الواجب عنده أن يحمل هذا القول على عمومه حتى يخصصه الدليل ، استثنى من ذلك ما فوق الإزار بالسنة ، إذ المشهور جواز تخصيص الكتاب بالسنة عند الأصوليين ) ومن كان عنده من باب العام أريد به الخاص رجح هذه الآية على الآثار المانعة مما تحت الإزار ، وقوي ذلك عنده بالآثار المعارضة للآثار المانعة مما تحت الإزار ، ومن الناس من رام الجمع بين هذه الآثار ، وبين مفهوم الآية على هذا المعنى الذي نبه عليه الخطاب الوارد فيها وهو كونه أذى ، فحمل أحاديث المنع لما تحت الإزار على الكراهية ، وأحاديث الإباحة ومفهوم الآية على الجواز ، ورجحوا تأويلهم هذا بأنه قد دلت السنة أنه ليس من جسم الحائض شيء نجس إلا موضع الدم ، وذلك " عائشة أن تناوله الخمرة وهي حائض ، فقالت : إني حائض ، فقال عليه الصلاة والسلام : إن حيضتك ليست في يدك " وما ثبت أيضا من ترجيلها رأسه عليه الصلاة والسلام وهي حائض ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل " . إن المؤمن لا ينجس