الجزء الثاني من هذا الكتاب .  
وهو النظر في أحكام الإجارات .  
وأحكام الإجارات كثيرة ، ولكنها بالجملة تنحصر في جملتين :  
الجملة الأولى : في موجبات هذا العقد ، ولوازمه من غير حدوث طارئ عليه .  
الجملة الثانية : في أحكام الطوارئ . وهذه الجملة تنقسم في الأشهر إلى معرفة موجبات الضمان وعدمه ، ومعرفة وجوب الفسخ وعدمه ، ومعرفة حكم الاختلاف .  
الجملة الأولى  
[ في موجبات هذا العقد ولوازمه ] .  
ومن مشهورات هذا الباب :  
متى يلزم المكرى دفع الكراء إذا أطلق العقد   ، ولم يشترط قبض الثمن ؟ فعند  مالك  ،  وأبي حنيفة     : أن الثمن إنما يلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع ، إلا أن يشترط ذلك أو يكون هنالك ما يوجب التقديم ، مثل أن يكون عوضا معينا أو يكون كراء في الذمة . وقال   الشافعي     : يجب عليه الثمن بنفس العقد .  
فمالك  رأى أن الثمن إنما يستحق منه بقدر ما يقبض من العوض;   والشافعي  كأنه رأى أن تأخره من باب الدين بالدين .  
ومن ذلك اختلافهم فيمن  اكترى دابة أو دارا وما أشبه ذلك; هل له أن يكري ذلك بأكثر مما اكتراه   ؟ فأجازه  مالك  ،   والشافعي  ، وجماعة قياسا على البيع ، ومنع ذلك  أبو حنيفة  ، وأصحابه .  
وعمدتهم : أنه من باب ربح ما لم يضمن; لأن ضمان الأصل هو من ربه ( أعني : من المكري ) ، وأيضا فإنه من باب بيع ما لم يقبض ، وأجاز ذلك بعض العلماء إذا أحدث فيها عملا . وممن لم يكره ذلك إذا وقع بهذه الصفة سفيان الثوري  ، والجمهور رأوا أن الإجارة في هذا شبيهة بالبيع .  
ومنها : أن  يكري الدار من الذي أكراها منه   ، فقال  مالك     : يجوز ، وقال  أبو حنيفة     : لا يجوز ، وكأنه رأى أنه إذا كان التفاضل بينهما في الكراء فهو من باب أكل المال بالباطل .  
ومنها : إذا  اكترى أرضا ليزرعها حنطة ، فأراد أن يزرعها شعيرا   ، أو ما ضرره مثل ضرر الحنطة ، أو دونه :      [ ص: 582 ] فقال  مالك     : له ذلك ، وقال  داود     : ليس له ذلك .  
ومنها : اختلافهم في  كنس مراحيض الدور المكتراة   ، فالمشهور عن  ابن القاسم  أنه على أرباب الدور ، وروي عنه أنه على المكتري ، وبه قال   الشافعي  ، واستثنى  ابن القاسم  من هذه الفنادق التي تدخلها قوم وتخرج قوم ، فقال : الكنس في هذه على رب الدار . ومنها : اختلاف أصحاب  مالك  في الانهدام اليسير من الدار ، هل يلزم رب الدار إصلاحه ، أم ليس يلزم ؟ وينحط عنه من الكراء ذلك القدر ؟ فقال  ابن القاسم     : لا يلزمه ، وقال غيره من أصحابه : يلزمه .  
وفروع هذا الباب كثيرة ، وليس قصدنا التفريع في هذا الكتاب .  
				
						
						
