واختلف ، الشافعي ومالك في ؟ فقال الموت : هل حكمه حكم الفلس أم لا مالك : هو في الموت أسوة الغرماء ، بخلاف الفلس . وقال : الأمر في ذلك واحد . وعمدة الشافعي مالك : ما رواه عن ، عن ابن شهاب أبي بكر ، وهو نص في ذلك ، وأيضا من جهة النظر : إن فرقا بين الذمة في الفلس ، والموت ، وذلك أن الفلس ممكن أن تثرى حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه ، وذلك غير متصور في الموت .
وأما : فعمدته ما رواه الشافعي بسنده عن ابن أبي ذئب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة " ، فسوى في هذه الرواية بين الموت ، والفلس . قال : وحديث أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق به أولى من حديث ابن أبي ذئب ; لأن حديث ابن شهاب مرسل ، وهذا مسند . ومن طريق المعنى : فهو مال لا تصرف فيه لمالكه إلا بعد أداء ما عليه ، فأشبه مال المفلس . وقياس ابن شهاب مالك أقوى من قياس ، وترجيح حديثه على حديث الشافعي من جهة أن موافقة القياس له أقوى ، وذلك أن ما وافق من الأحاديث المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس الشبه ( أعني : أن القياس الموافق لحديث ابن أبي ذئب هو قياس شبه ، والموافق لحديث الشافعي مالك قياس معنى ) ، ومرسل مالك خرجه عبد الرزاق .
فسبب الخلاف : تعارض الآثار في هذا المعنى ، والمقاييس ، وأيضا فإن الأصل يشهد لقول مالك في الموت ( أعني : أن من باع شيئا فليس يرجع إليه ) ، فمالك رحمه الله أقوى في هذه المسألة ، إنما ضعف عنده فيها قول والشافعي مالك لما روي من المسند المرسل عنده لا يجب العمل به .
واختلف مالك ، فيمن وجد سلعته بعينها عند المفلس ، وقد أحدث زيادة ، مثل أن تكون أرضا يغرسها ، أو عرصة يبنيها : فقال والشافعي مالك : العمل الزائد فيها هو فوت ، ويرجع صاحب السلعة شريك الغرماء . [ ص: 631 ] وقال : بل يخير البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها ، أو أن يأخذ أصل السلعة ويحاص الغرماء في الزيادة ، وما يكون فوتا مما لا يكون فوتا في مذهب الشافعي مالك منصوص في كتبه المشهورة .
وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس ، أو في الفلس دون الموت : أن : عرض يتعين ، وعين اختلف فيه هل يتعين فيه أم لا ؟ وعمل لا يتعين . الأشياء المبيعة بالدين تنقسم في التفليس ثلاثة أقسام
فأما العرض : فإن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري ، فهو أحق به في الموت ، والفلس ، وهذا ما لا خلاف فيه ، وإن كان قد دفعه إلى المشتري ثم أفلس وهو قائم بيده فهو أحق به من الغرماء في الفلس دون الموت ، ولهم عنده أن يأخذوا سلعته بالثمن . وقال : ليس لهم . وقال الشافعي أشهب : لا يأخذونها إلا بالزيادة يحطونها عن المفلس . وقال : إن شاءوا كان الثمن من أموالهم ، أو من مال الغريم . وقال ابن الماجشون : بل يكون من أموالهم . ابن كنانة
وأما العين : فهو أحق بها في الموت أيضا ، والفلس ما كان بيده . واختلف إذا دفعه إلى بائعه فيه ففلس أو مات وهو قائم بيده يعرف بعينه ، فقيل : إنه أحق به كالعروض في الفلس دون الموت ، وهو قول ابن القاسم ، وقيل : إنه لا سبيل له عليه ، وهو أسوة الغرماء ، وهو قول أشهب ، والقولان جاريان على الاختلاف في تعيين العين . وأما إن لم يعرف بعينه فهو أسوة الغرماء في الموت والفلس .
وأما العمل الذي لا يتعين : فإن أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل الأجير كان الأجير أحق بما عمله في الموت والفلس جميعا ، كالسلعة إذا كانت بيد البائع في وقت الفلس ، وإن كان فلسه بعد أن استوفى عمل الأجير : فالأجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه عليها في الفلس والموت جميعا على أظهر الأقوال ، إلا أن تكون بيده السلعة التي استؤجر على عملها ، فيكون أحق بذلك في الموت ، والفلس جميعا; لأنه كالرهن بيده ، فإن أسلمه كان أسوة الغرماء بعمله ، إلا أن يكون له فيه شيء أخرجه فيكون أحق به في الفلس دون الموت ، وكذلك الأمر عنده في فلس مكتري الدواب إن استكرى أحق بما عليه من المتاع في الموت والفلس جميعا ، وكذلك مكتري السفينة ، وهذا كله شبهه مالك بالرهن .
وبالجملة : فلا خلاف في مذهبه أن البائع أحق بما في يديه في الموت والفلس ، وأحق بسلعته القائمة الخارجة عن يده في الفلس دون الموت ، وأنه أسوة الغرماء في سلعته إذا فاتت ، وعندما يشبه حال الأجير ( عند أصحاب مالك . وبالجملة ) البائع منفعة بالبائع الرقبة ، فمرة يشبهون المنفعة التي عمل : بالسلعة التي لم يقبضها المشتري ، فيقولون : هو أحق بها في الموت والفلس ، ومرة يشبهونه بالتي خرجت من يده ولم يمت فيقولون : هو أحق بها في الفلس دون الموت ، ومرة يشبهون ذلك بالموت الذي فاتت فيه ، فيقولون : هو أسوة الغرماء .
ومثال ذلك : اختلافهم فيمن استؤجر على سقي حائط ، فسقاه حتى أثمر الحائط ، ثم أفلس المستأجر ، فإنهم قالوا فيه الثلاثة الأقوال . وتشبيه بيع المنافع في هذا الباب ببيع الرقاب هو شيء - فيما أحسب - انفرد [ ص: 632 ] به مالك دون فقهاء الأمصار ، وهو ضعيف; لأن قياس الشبه المأخوذ من الموضع المفارق للأصول يضعف ، ولذلك ضعف عند قوم القياس على موضع الرخص ، ولكن انقدح هنالك قياس علة ، فهو أقوى . ولعل المالكية تدعي وجود هذا المعنى في القياس ، ولكن هذا كله ليس يليق بهذا المختصر .
ومن هذا الباب اختلافهم في : هل يتبع بالدين في رقبته أم لا ؟ فذهب العبد المفلس المأذون له في التجارة مالك وأهل الحجاز إلى أنه إنما يتبع بما في يده لا في رقبته ، ثم إن أعتق بما بقي عليه ورأى قوم أنه يباع ، ورأى قوم أن الغرماء يخيرون بين بيعه وبين أن يسعى فيما بقي عليه من الدين ، وبه قال شريح ، وقالت طائفة : بل يلزم سيده ما عليه ، وإن لم يشترطه .
فالذين لم يروا بيع رقبته قالوا : إنما عامل الناس على ما في يده فأشبه الحر ، والذين رأوا بيعه شبهوا ذلك بالجنايات التي يجني ، وأما الذين رأوا الرجوع على السيد بما عليه من الدين : فإنهم شبهوا ماله بمال السيد إذ كان له انتزاعه .
فسبب الخلاف هو تعارض أقيسة الشبه في هذه المسألة .
ومن هذا المعنى : إذا : هل بدين العبد ، أم بدين المولى ؟ فالجمهور يقولون : بدين العبد; لأن الذين داينوا العبد إنما فعلوا ذلك ثقة بما رأوا عند العبد من المال ، والذين داينوا المولى لم يعتدوا بمال العبد . أفلس العبد والمولى معا بأي يبدأ
ومن رأى البدء بالمولى قال : لأن مال العبد هو في الحقيقة للمولى .
فسبب الخلاف : تردد مال العبد بين أن يكون حكمه حكم مال الأجنبي ، أو حكم مال السيد .
وأما : فقيل في المذهب : يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار الأيام . وقال في الواضحة والعتبية : الشهر ونحوه ، ويترك له كسوة مثله . وتوقف قدر ما يترك للمفلس من ماله مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها بعوض مقبوض - وهو الانتفاع بها - أو بغير عوض . وقال : لا يترك له كسوة زوجته . وروى سحنون ابن نافع عن مالك : أنه لا يترك له إلا ما يواريه ، وبه قال . ابن كنانة
واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين : وهذا مبني على كراهية بيع كتب الفقه ، أو لا كراهية ذلك .